تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعض الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم، والتي تتحدث عن صيحة تحدث في شهر رمضان، وقارنوا بينها وبين مصادفة اليوم الذي تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم الموافق الخامس عشر من شهر رمضان, والذي من المتوقع أن تحدث فيه ظاهرة كسوف الشمس وخسوف القمر.
وهناك حديث رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تكون هدة في شهر رمضان، توقظ النائم وتفزع اليقظان، ثم تظهر عصابة في شوال، ثم معمعة في ذي الحجة، ثم تنتهك المحارم في المحرم، ثم يكون موت في صفر، ثم تتنازع القبائل في الربيع، ثم العجب كل العجب بين جمادى ورجب، ثم ناقة مقتبة خير من دسكرة تقل مائة ألف، قال الحاكم: قد احتج الشيخان رضي الله عنهما برواة هذا الحديث عن آخرهم غير مسلمة بن علي الحسني، وهو حديث غريب المتن، ومسلمة أيضا ممن لا تقوم الحجة به.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان صيحة في رمضان فإنه يكون معمعمة في شوال، وتمييز القبائل في ذي القعدة، وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم، وما المحرم -يقولها ثلاث مرات- هيهات هيهات، يقتل الناس فيه هرجا هرجا، قلنا: وما الصيحة يا رسول الله؟ قال: في النصف من رمضان ليلة الجمعة فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم، وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل والبرد، فإذا وافق شهر رمضان في تلك السنة ليلة الجمعة، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة في النصف من رمضان، فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجدا، وقولوا سبحان القدوس، سبحان القدوس ربنا القدوس، فإنه من فعل ذلك نجا، ومن لم يفعل هلك.
اقرأ أيضا:
هل يصح صيام وصوم النفساء عند ارتفاع الدم قبل الأربعين؟ورد مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، على مدى صحَّة حديثِ «الصَّيحة»؟وقال المركز إنه في ظلِّ ما تبذله الدَّولة ومؤسساتُها من جهود لمواجهة فيروس كورونا بالأساليب العلمية ونشر الوعي؛ انتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التَّواصل الاجتماعي بعض الشَّائعات والأباطيل المبنيّة علىٰ الخرافة، والتي لا مُستند يُعضّدها من صحيح العلم والدَّين، ولا نرىٰ في نشرها إلَّا بثًّا للخوف في قلوب النَّاس.
وتابع مركز الأزهر، من ذلك انتشار حديثٍ نُسِبَ إلى سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عُرِفَ على الصَّفحات الإلكترونية بحديث «الهدَّة» أو«الصَّيحة» أو «النَّفخة» التي ستقع في رمضان هذا العام -لا قدّر الله-؛ لأن يوم الخامس عشر منه سيوافق يوم جُمُعة، وهذا نصُّ الحديث المُتدَاوَل: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ صَيْحَةٌ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَعْمَعَةٌ فِي شَوَّالٍ، وَتَمْيِيزُ الْقَبَائِلِ فِي ذِيِ الْقَعْدَةِ، وَتُسْفَكُ الدِّمَاءُ فِي ذِيِ الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ، وَمَا الْمُحَرَّمُ»، يَقُولُهَا ثَلَاثًا، «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، يُقْتَلُ النَّاسُ فِيهَا هَرْجًا هَرْجًا» قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الصَّيْحَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: «هَدَّةٌ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ، فَتَكُونُ هَدَّةٌ تُوقِظُ النَّائِمَ، وَتُقْعِدُ الْقَائِمَ، وَتُخْرِجُ الْعَوَاتِقَ مِنْ خُدُورِهِنَّ، فِي لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، فِي سَنَةٍ كَثِيرَةِ الزَّلَازِلِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَادْخُلُوا بُيُوتَكُمْ، وَاغْلِقُوا أَبْوَابَكُمْ، وَسُدُّوا كُوَاكُمْ، وَدِثِّرُوا أَنْفُسَكُمْ، وَسُدُّوا آذَانَكُمْ، فَإِذَا حَسَسْتُمْ بِالصَّيْحَةِ فَخِرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا، وَقُولُوا: سُبْحَانَ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْقُدُّوسِ، رَبُّنَا الْقُدُّوسُ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَجَا، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هَلَكَ». [الفتن لنعيم بن حماد (1/ 228)].
وأكد الأزهر: أن هذا الحديث مُنكرٌ لا تصحُّ نسبته إلى سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحَكَمَ عليه بعض العلماء بالوضع والكذب كالإمام العقيليّ، والإمام ابن الجوزيّ، والإمام ابن القيم، والإمام الذهبيّ رحمهم الله، وغيرهم.
كما أنَّ التَّاريخ يُكذِّبه؛ لكثرة موافقة الجُمُعة للخامس عشر من شهر رمضان الكريم دون هدَّة، أو صيحة، أو نفخة ولله الحمد.
ومن هذه الأباطيل والشائعات أيضًا: بعض الأقاويل التي تزعم أن وباء كورونا مذكور في كتاب «عظائم الدهور» لأبي علي الدبيسي المتوفىٰ في القرن السادس الهجري (565هـ)، وهذا كذب أيضًا؛ للآتي:
أولًا: لا يوجد كتاب بهذا الاسم، كما أن مؤلفه شخصية مغمورة ومبهمة.
ثانيًا: الكلام الوارد بشأن هذا الفيروس؛ فيه ما فيه من الركاكة والضعف، ولا يتماشىٰ مع أساليب الكتابة العلمية الرَّصينة في القرن السَّادس الهجري.
ثالثًا: قافِية القصيدة المُنتشِرة ورويّها غير موحدَين في حين أنَّ قصايد الشِّعر العربي لم تخرج عن وحدة القافية والرّويّ حتى العصر الأندلسي، والأبيات منسوبة للعصر العباسي.
رابعًا: جاء في الكلام المُتداول كثيرٌ من الأمور الغيبيّة التي لا يمكن لأحد من البشر الاطلاعُ عليها بحال من الأحوال، إلا أن تكون معجزة لنبي، قال تعالىٰ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26، 27].
وحذِّر مركزُ الأزهر العالميُّ للفتوى الإلكترونية مِن تَدَاول هذه المنشوراتِ وأمثالها؛ لِمَا في نشْرها مِن بثٍّ للخوف، وترويجٍ للكَذِب على سيدنا رسول الله ﷺ والعلم والعلماء، والله سبحانه يحذِّر من الكذب والتعاون على الإثم فيقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة المائدة: 2]، ويقول أيضًا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: 18].