«مات إنسان ما كانت لي عنده مظلمة.. فهل يجوز أن أحضر
صلاة الجنازة عليه، ولكن بدلاً من أن أدعو الله له، أدعو عليه؟»، سؤال يعتصر صاحبه ألمًا بداخله، وهو يعبر عنه، وقد يقول قائل إن دعوة المظلوم لا ترد وليس بينها وبين الله حجاب، فما بالنا والمتهم بأنه ظالم، أصبح بين يدي الله عز وجل؟
لكن يجب ألا ننسى أمرًا هامًا، وهو أن الإسلام بالأساس دين الرحمة، ومهما كانت مظلمتك، فإن الله بها عليم، فلا يكن قلبك قاسيًا إلى هذه الدرجة.. وإن كان معك الحق في الدعاء عليه ما دمت صاحب مظلمة، إلا أن العفو هنا سيكون عند المقدرة، فإذا عفوت سيكون أجرك على الله، قال تعالى: «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » (الشورى: 40).
أخلاق النبي في العفو
بما أننا مسلمون، فبديهي أن نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أفعاله وشيمه وأخلاقه، وهو الذي تعرض للكثير من الأذى ومع ذلك، كان يسابق الكل للدعاء بمن ظلمه بالهداية، فمهما كان عزيزي صاحب الرسالة من ظلمك، فلا يمكن أن يصل الأمر إلى أن يتعرض لأهل بيتك.. ومع ذلك عندما تعرض عبدالله ابن ابي ابن سلول لعرض السيدة عائشة أم المؤمنين.
حزن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، حزنًا شديدًا، لكنه لما مات ابن سلول (زعيم المنافقين)، جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يصلي على أبيه.. ترى ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.. رغم كل ما تعرض من أذى على يد هذا الرجل..
وافق أن يصلي عليه.. بل وأن يتكفن في ردائه الشريف، ولولا أن نزلت آيات من فوق سموات تمنع هذا الفعل، لأتم النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم الأمر، قال تعالى: «وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ».
اقرأ أيضا:
ما حكم الاحتلام وممارسة العادة السرية في نهار رمضان؟ (الإفتاء تجيب)ليست من شيم المسلمين
إذن موقف النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، من ابن سلول، إنما يؤكد أن الوقوف على جنازة أحدهم، وإن كان من أكابر الظالمين، للدعاء عليه، ليست من شيم المسلمين، ويكفيه أنه سيلقى الله بذنبه، وعنده سبحانه تجتمع الخصوم.
قال تعالى: «مَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ»، فارتفع عزيزي صاحب الرسالة عن مثل هذا الفعل، ودع مظلمتك بين يدي الله عز وجل، فإنه لا تضيع عنده الودائع.