دانت النفوس للنبي صلى الله عليه وسلم، لما حققه من أخلاق كريمة، وعدالة منقطعة النظير حتى لو كان شخصه الكريم أو أحدا من أهل بيته.
لما قدم عمر الشام أتاه رجل يستأذنه على أمير ضربه، فأراد عمر أن يقتصّ منه، فقال له عمرو بن العاص: أتقيده منه؟
قال:نعم، قال: فلا نعمل لك عملا، قال: لا أبالي أن أقتصّ منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي القصاص من نفسه، قال: أفلا نرضيه؟ قال: أرضوه إن شئتم.
وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيده قضيب، فأصاب بطن الأعرابي، وزحم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي فخدشه، فقال: "اقتص" ، فأبى، فقال:لتقصن، أو لتأخذن تبعة الغير".
وعن سعيد بن المسيب قال: أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه وأقاد أبو بكر من نفسه وأقاد عمر من نفسه.
وعن حبيب بن مسلمة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا لم يتعمده، فأتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك جبارا، ولا متكبرا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي فقال: «اقتص مني».
فقال الأعرابي:قد أحللتك، بأبي وأمي، وما كنت لأفعل ذلك أبدا، ولو أتيت على نفسي، فدعا له بخير.
وحكى رجل من العرب قال: زحمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وفي رجلي نعل كثيفة، فوطئت بها على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفحني بسوط في يده، وقال: «باسم الله أوجعتني» ، فبت لائما نفسي، أقول:أوجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما أصبحنا فإذا رجل يقول: أين فلان؟ فقلت هذا والله الذي كان مني بالأمس، فانطلقت، وأنا متخوف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك وطئت بنعلك رجلي بالأمس فأوجعتني، فنفحتك بسوط فهذه ثمانون نعجة فخذها بها».
ورغب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في الجهاد، فاجتمعوا عليه حتى غموه، وفي يدهجريدة سلاها، وبقيت هكذا سلاة، ثم لم ينظروا إليها فقال: أخروا عني، لهذا غميتموني، فأصاب النبي صلى الله عليه وسلم بطن رجل فأدماه، فخرج الرجل، وهو يقول: هذا فعل نبيك، فسمعه عمر فقال: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان هو أصابك فسوف يعطيك من نفسه الحق، وإن كنت كذبت لأرغمك بعمامتك حتى يتحدث.
فقال الرجل: انطلق بسلام، فلست أريد أنطلق معك، قال: ما أنا بوادعك، فانطلق، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أحقا أنا أصبتك؟» قال: نعم، قال: «فما تريد؟» قال: فأستقيد منك، فأمكنه من الجريدة، وكشف عن بطنه، فألقى الجريدة من يده، وقبل سرته، وقال: «هذا أردت، لكي ما يقمع الجبار من بعدك» ، فقال عمر: أنت كنت أوثق عملا مني.
وكان رجل من المهاجرين، وكان ضعيفا، وكان له حاجة إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يلقاه على خلاء فيسأل حاجته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معسكرا بالبطحاء ، وكان يجيء من الليل، فيطوف البيت، حتى إذا كان في وجه السحر صلى بهم صلاة الغداة، فحبسه الطواف ذات ليلة حتى أصبح، فما استوى على راحلته عرض له الرجل، فأخذ بخطام ناقته،فقال: يا رسول الله، لي إليك حاجة، قال: إنك ستدرك حاجتك، فأبى، فلما خشي أن يحبسه خفقه بالسوط، ثم مضى، فصلى بهم صلاة الغداة، فلما انفتل أقبل بوجهه إلى القوم، وكان إذا فعل ذلك عرفوا أنه قد حدث أمر، فاجتمع القوم حوله، فقال: أين الرجل الذي جلدت آنفا؟ فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الرجل يقول: أعوذ بالله، ثم برسول الله، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«ادنه ادنه» ، حتى دنا منه، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه، وناوله السوط، فقال: «خذ بمجلدك فاقتص» . فقال: أعوذ بالله أن أجلد نبيه، فقال: «إلا أن تعفو» ، فألقى السوط وقال: قد عفوت يا رسول الله.
فقام إليه أبو ذر فقال: يا رسول الله، تذكر ليلة العقبة، وأنا أسوق بك، وأنت نائم، كنت إذا سقتها أبطأت، وإذا سقتها اعترضت، فخفقتك خفقة بالسوط، وقلت: قد أتاك القوم، وقلت: «لا بأس عليك» ، فدعا برسول الله أن يقتص، قال: «قد عفوت».
قال:اقتص، فهو أحب إليّ، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد رأيته يتضور من جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «أيها الناس اتقوا الله، فو الله لا يظلم مؤمن مؤمنا إلا انتقم الله تعالى منه يوم القيامة».