منذ أكثر من 400 عام بدأت قصة إنتاج الكهرباء..قصة مرحلة جديدة في الحضارة البشرية ، وطاقة جديدة من نوعها غيرت وجه التاريخ وحولت حياة الإنسان تحولًا كان أبعد ما يكون عن الخيال.
الكهرباء أو الطاقة الكهربائية المستخدمة اليوم بحياتنا بشكل كبير في عدة مجالات: من الإنارة إلى التدفئة إلى تشغيل المصانع وتحريك القطارات وتشغيل السيارات والماكينات والآلات وغيرها من الاستخدامات، هي إحدى الخواص الفيزيائية للمواد، تحدث نتيجة وجود فرق في التوازن بين الإلكترونات والبروتونات على المستوى الذري للمادة، مما يكسب الذرة شحنة سالبة أو موجبة تبعاً لعدد الإلكترونات التي فقدتها أو اكتسبتها الذرات، وينتج عن ذلك عدة مؤثرات وصفات للمادة منها التوصيل الحراري، والتجاذب والتنافر مع المواد الاخرى، و استمرار هذه المؤثرات لفترة معينة يعمل على إنشاء تيار يسري خلال المادة على شكل سيل من الشحنات وتعمل على تشغيل الأحمال الكهربائية من مصابيح وأدوات كهربائية.
يعود الفضل لاكتشاف الكهرباء إلى العالم الإنجليزي (وليام جيلبرت) والذي يعتبر أب الهندسة الكهربائية والكهرباء المغناطيسية، وحتى كلمة كهرباء تعود إلى العالم وليم جيلبرت وهي كلمة لاتينية electricus والتي تعني شبيه الكهرمان، حيث كان يدرس صفات الكهرمان وهي المادة التي كانت تشتهر بعصره بجذبها للمواد حين فركها. وأثبت العالم جيلبرت من خلال دراساته أن للمواد خواصاً تشبه خواص مادة الكهرمان من حيث جذبها للأجسام.
العالم وليام جيلبرت العالم وليام جيلبرت طبيب وفيزيائي انجليزي ولد في مدينة كولشستر في 24-5-1544م، درس الطب في كلية سانت جونز كامبردج واكمل دراسة الماجستير والدكتوراة في الطب من جامعة كامبردج. وعمل في نفس الكلية والقى العديد من المحاضرات في مجال الطب فيها حتى العام 1573م. وبعد ذلك انتقل إلى لندن ليمارس الطب وحقق نجاحاً باهراً حتى العام 1599م
بدأت عملية إنتاج الكهرباء وتوليدها في القرن الثامن عشر للميلاد، كما يأتي: توصل الفيزيائي الإيطالي أليساندرو فولتا (بالإنجليزية: Alessandro Volta) إلى إنتاج الكهرباء من تفاعلات كيميائية معينة، ففي عام 1800م، بنى كومة الفولتية، وهي أول بطارية كهربائية أنتجت تياراً كهربائياً ثابتاً، وكذلك تمكن فولتا من قيادة الشحنة الكهربائية عن طريق ربط الموصلات ذات الشحنات الموجبة والسالبة معاً مكوناً فولتية، من خلالها تم أول نقل للكهرباء
اكتشف العالم هانز كريستيان أورستد (بالإنجليزية: Hans Christian Oersted) في عام 1819م أن مجالاً مغناطيسياً يحيط بالأسلاك الحاملة للتيار الكهربائي، وفي غضون عامين وضع العالم الفرنسي أندريه ماري أمبير (بالإنجليزية: André Marie Ampère) العديد من القوانين الكهرومغناطيسية بشكل رياضي، واخترع العالم د. ف. آرجو (بالإنجليزية: D. F. Arago) المغناطيس الكهربائي، وقد استفاد مما سبق العالم الإنجليزي مايكل فاراداي (بالإنجليزية: Michael Faraday) وابتكر شكلاً من المحركات الكهربائية، وبعد انتظار ما يقارب عشر سنوات، بدأ التطبيق العملي للمحرك الكهربائي عندما أنشأ العالم فاراداي وقبل ذلك بشكل مستقل العالم الأمريكي جوزيف هنري (بالإنجليزية: Joseph Henry)، أول مولد كهربائي في عام 1831م، تم من خلاله تشغيل المحرك، وبعد عام من ذلك بنى العالم هيبوليت بيكسي (بالإنجليزية: Hippolyte Pixii) نموذجاً يمكن تحريكه باليد، تبع ذلك تطور بطيء استغرق خمسين عاماً لبناء أولى محطات توليد الطاقة الكهربائية.
"ليبون" هو اسم يدين له المصريين بالفضل فى إنارة أولى المدن المصرية، وقد لا يعلم معظمنا من هو رجل الأعمال الفرنسى شارل ليبون، ففى عام 1893 كانت بداية الكهرباء فى مصر على يد رجل الأعمال الفرنسى، وأصبحت مصر من الدول الرائدة فى قطاع الكهرباء، حيث أن التطبيقات الأولى للكهرباء كانت فى فرنسا لأغراض الإنارة كانت عام 1880 أى بعد 13 عام فقط من استخدام فرنسا للكهرباء فى الإنارة.
بدأ استخدام الكهرباء فى الإنارة داخل مصر على يد القطاع الخاص بعد أن رخصت الحكومة المصرية لشركة ليبون الفرنسية إدخال الإضاءة بالكهرباء فى العاصمة والإسكندرية عام 1893م والتى كانت تحتكر إنارة شوارع القاهرة والإسكندرية منذ عام 1865م بغاز الاستصباح الناجم عن تقطير الفحم وظلت حتى عام 1909 محتكرة إدخال الكهرباء للمدن إلى أن أنشئت الحكومة المصرية مصلحة البلدية التى تولت هذه المهمة.
فى عام 1904 أنشأت الحكومة المصرية مصلحة البلديات لتتولى إضاءة المدن بالكهرباء، وتعد مدينة الزقازيق أول مدينة دخلتها الكهرباء على يد المجالس البلدية وذلك فى عام 1909م وتلى ذلك بنى سويف وأسيوط عام 1911م.
ولم يزد عدد المدن التى دخلتها الكهرباء فى مدة 25 سنة (1909م – 1923م) عن ست مدن، ويرجع قلة عدد المدن المكهربة فى الفترة الأولى إلى أثار الحرب العالمية الأولى ومــا بعدها مباشرة نظراً للظروف الاقتصاديـة التى مرت بها البلاد فى ذلك الوقت، وأيضا نقص الفحم المستورد من الخارج وهو الوقود الذى كان يستخدم فى توليد الكهرباء، أما فى الفترة الثانية فيرجع زيادة عدد المدن المكهربة إلى أن إدارة المجالس البلدية التابعة للحكومة أسرعت فى تنفيذ البرنامج الخاص بإدخال الكهرباء إلى أهم المدن الإقليمية بالدولة.
فى عـام 1936 كان يوجد فى مصر نحو 73 محطة توليد الكهرباء وبلغت القدرة الأسمية لها نحو 195 ميجاوات، تنوعت كالتالى: المحطات البخارية بنسبة 72%، الديزل بنسبة 27%، المائية بنسبة 1%، وتميزت الطاقة الكهربائية المتولدة وقتها بأنها كانت مركزة جغرافيا بشدة حيث حظيت ثلاثة أقاليم بنحو 83% من الكهرباء التى أنتجتها مصر عام 1936م وذلك بنسبـة 35% فى القاهــرة، 26% فى الإسكندرية، 22% فى شمال الدلتا.
ونشرت جريدة الوقائع المصرية فى عددها رقم 67 بتاريخ 13 أغسطس عام 1917 قرار مجلس الوزراء باتخاذ بعض الإجراءات لترشيد استهلاك الوقود والفحم من خلال تخفيض الإضاءة وجاء نص القرار كالآتى:
أولاً: تقليل الإضاءة العمومية بنسبة 25% فى العواصم والمديريات.
ثانيا: عدم استعمال اليقاظات والإعلانات المضاءة بالأنوار ومنع الأنوار المستعملة فى مداخل أو مخارج الحواتيت والسينماتوغرفات والفنادق والأندية فى جميع القطر المصرى بعد الساعة الـ7 مساء ويستثنى الصيدليات.
ثالثاً: إغلاق جميع المطاعم والمقاهى فى الساعة الـ10 مساء
كما نشرت الجريدة الرسمية فى 30 أبريل 1910 بعدم إنارة المصابيح أمام المنازل بالليالى القمرية من كل شهر من الشهور العربية بواقع مصباح لكل منزلين أو ثلاث منازل لخفض استهلاك الكهرباء، ومن يخالف هذه القرارات يعاقب بغرامة لا تتجاوز 100 قرش صاغ.