لا يوجد حسرة تماثل الحسرة على عملت أنجزته وخاب رجاؤك فيه، كأن تربي ابنك على أكمل ما يكون من الأخلاق ثم يصبح فاسدا، أو تجمع المال سنوات عديدة ثم يضيع هباءا منثورا، ولكن الأخطر من ذلك أن تتاجر مع الله وتعبده وتطيعه ثم تحبط عملك دون أن تشعر، ووقتها سوفتكون الحسرة يوم القيامة حينما تجد صحيفة أعمالك خالية من الخير الذي قمت به في الدنيا.
وقد أخبر الله تعالى عن هؤلاء بقوله ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ ومن هذا قوله تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ .
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه أوحي إليه أن من أشرك مع الله غيره فقد حبط عمله، فقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر: 65].
وأمر الله جميع العباد بإخلاص العبادة له فقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة: 5].
وكان أنبياء الله ورسله على درجة عالية من العمل، ولكنهم مع ذلك كانوا على درجة أعلى من إخلاص العمل، واجتناب كل مايحبط أعمالهم، كذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا حريصين على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كل واحد منهم يعمل الطاعات والحسنات ويخاف أن ترد عليه، فهذه عمر الفاروق رضي الله عنه يسأل صاحب سرِّ النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فيقول له: ناشدتك الله: هل عدَّني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين؟ فقال: لا، ولا أزكي أحداً بعدك.
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟وإليك ذكر بعض محبطات العمل مع الله:
1- الردة عن دين الله، قال تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: 217]. وقال الله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[المائدة: 5]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً}[النساء: 137].
وتكون الردة بالقول؛ كسبِّ الله تعالى أو رسله أو ملائكته، وتكون بالفعل؛ كالسجود للصنم والحجر والشجر، وعمل السحر، والحكم بغير ما أنزل الله. وتكون بالاعتقاد؛ كاعتقاد أن الزنا حلال، أو أن الخبز حرام أو أن الصلاة غير واجبة. وتكون بالشك؛ كمن شك في تحريم الشرك، أو شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو رسالة غيره من الأنبياء.
2- الشرك بالله ، قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}[التوبة: 17]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[الأنعام: 88]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر: 65].
3- الاستهزاء بشيء من دين الله تعالى، أو ثوابه، أو عقابه، أو ما يتعلق بذلك، قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة: 65-66].
4- ترك ركن من أركان الإسلام، وأهمها الصلوات المفروضة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)).
5- إتيان الكهان والعرافين وتصديقهم، فعن بعض أمهات المؤمنين قالت: قال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))6 . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى كاهنا، أو عرافا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)).
6- التألي على الله عز وجل، وهو الإقسام على الله بأن لا يغفر لفلان أبداً- والعياذ بالله- فعن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَّث: ((أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله قال: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ فقد غفرت لفلان وأحبطت عملك!!)8.
7- انتهاك حرمات الله –تعالى- في الخلوات، فعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله -عز وجل- هباء منثوراً))، قال ثوبان: يا رسول الله! صِفهم لنا؟ جَلِّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟. قال: ((أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)).
8 الرياء ، قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: 264].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ قال: ((لا شيء له)) فأعاده عليه ثلاثاً كل ذلك يقول: ((لاشيء له)). ثم قال: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه)).
9- ترك صلاة العصر، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الذي تفوته صلاة العصر كأنما وُتِر أهله وماله)).
وعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله))14.
10- أن تكون أعمال الخير لم يقصد بها وجه الله. كما روي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه ننعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار».