كان أبوه تركيا عند رجل من التجار من بني حنظلة، وكانت أمه تركية خوارزمية، ولد سنة ثماني عشرة ومائة من الهجرة .
دار علم وعبادة
وكانت دار ابن المبارك بمدينة مرْو كبيرة صحن الدار نحو خمسين ذراعا في خمسين ذراعا، فكنت لا تحب أن ترى في داره صاحب علم أو صاحب عبادة أو رجلا له مروءة وقدر بمرو إلا رأيته في داره، يجتمعون في كل يوم خلقا يتذاكرون حتى إذا خرج ابن المبارك انضموا إليه.
فلما صار ابن المبارك بالكوفة نزل في دار صغيرة وكان يخرج إلى الصلاة ثم يرجع إلى منزله لا يكاد يخرج منه ولا يأتيه كثير أحد.
فقال له أحد رفاقه : يا أبا عبد الرحمن ألا تستوحش ها هنا مع الذي كنت فيه بمرو؟ فقال: إنما فررت من مرو من الذي تراك تحبه، وأحببت ما ها هنا للذي أراك تكرهه لي، فكنت بمرو لا يكون أمر إلا أتوني فيه ولا مسألة إلا قالوا: اسألوا ابن المبارك، وأنا ها هنا في عافية من ذلك.
قال: وكنت مع ابن المبارك يوما فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس فزحموه ودفعوه فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا، يعني حيث لم نعرف ولم نوقر.
ويقول أيضا: وبينما هو بالكوفة يقرأ عليه كتاب المناسك، انتهى إلى حديث وفيه: قال عبد الله وبه نأخذ.
فقال: من كتب هذا من قولي؟ قلت: الكاتب الذي كتبه. فلم يزل يحكه بيده حتى حذفه. ثم قال: ومن أنا حتى يكتب قولي؟
اقرأ أيضا:
مواعظ مبكية بين عمر بن عبد العزيز والخليفة سليمانلم يكن يأكل وحده
ومن ورعه أيضا أنه شوهد في منزله حماما ،فقال ابن المبارك: قد كنا ننتفع بفراخ هذه الحمام فليس ننتفع بها اليوم فقيل له: ولم ذلك؟
قال: اختلطت بها حمام غيرها فتزاوجت بها فنحن نكره أن ننتفع بشيء من فراخها من أجل ذلك.
قال الحسن: وصحبت ابن المبارك من خراسان إلى بغداد فما رأيته أكل وحده.
قال: وزوج النضر بن محمد ولده دعي بن المبارك. فلما جاء قام ابن المبارك ليخدم الناس فأبى النضر أن يدعه وحلف عليه حتى جلس.
وقال عبد الرحمن بن مهدي قال: ما رأت عيناي مثل سفيان ولا أقدّم على عبد الله بن المبارك أحدا.
وقال أيضا: ما رأت عيناي أنصح لهذه الأمة من عبد الله بن المبارك.
كما حكى نعيم بن حماد قال: كان عبد الله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم؟
وقال معاصروه : كنا عند الفضيل فنعي إليه ابن المبارك فقال: رحمه الله أما أنه ما خلف بعده مثله.