لم يلتفت الكثير إلى أهمية النظافة أو الطهارة بشكل عام إلا بعد أن وقعت الواقعة وانتشر وباء فيروس كورونا ؛ حيث يلح الأطباء والمختصون على الناس في اهتمامهم بنظافتهم الشخصية ؛ إذ هي أعظم أسباب الوقاية من الإصابة بهذا المرض أو نقل عدواه إلى الغير . وقد أظهرت هذه الأزمة غفلة البعض من المسلمين وإهمالهم فقه دينهم ، وأحيانا التهكم والسخرية من بعض الأحكام خاصة ما يتعلق بفقه الطهارة حتى لأن البعض ممن ينبهر بالغرب في تقدمه التقني كان يقارن دائما بين اهتمام المسلمين بفقه الطهارة واهتمام الغرب بالصعود إلى الفضاء ؛ لكن تفاجأ الجميع بأن فقه الطهارة هو المنقذ لهم بإذن الله تعالى مما حل بهم من وباء ، وهو ما استدركه الغرب الآن واعترف بعظمة الإسلام في اهتمامه بهذا الضرب من الأحكام . اهتمام الإسلام بالنظافة : قد يعتقد البعض أن اهتمام الإسلام بالنظافة أو الطهارة بشكل عام يرجع فقط إلى أن منها الاستنجاء والوضوء والغسل وهو مما لا بد منه لصحة الصلاة ، ولكن النظر الصحيح المتأمل لطبيعة أحكام الطهارة في الإسلام يقف على أن الأمر أوسع من ذلك فهناك صور للنظافة أو الطهارة لا علاقة لها بالصلاة – كما سيرد في هذه المقالة – ومع ذلك حث عليها الإسلام وأمر بها . إن ما يمكن أن نسجله هنا من وجه لاهتمام السلام الفائق بالنظافة والطهارة أن فيها تكريما للإنسان والارتقاء به ؛ إذ الإنسان هو المخلوق المكرم عند الله تعالى ويليق به أن يكون حاله في شكله ومظهره مناسبا لهذا التكريم ، وفيها أيضا وقاية من كثير من الأمراض التي إن وقعت ربما تصيبه في نفسه وماله ، وقد جعل الإسلام حفظ النفس من كلياته الأساسية ومقاصده العظمى . النظافة من الإيمان : هذه الجملة وإن لم تكن بهذا اللفظ حديثا نبويا إلا أن معناها متفق عليه ، وورد قريب منها في روايات متعددة ، بعضها في أعلى درجات الصحة ، مثل ما ورد في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطُّهور شطر الإيمان ) ( صحيح مسلم : 1/203) وقد عد الإمام النووي هذا الحديث بأنه أصل من أصول الإسلام وقد اشتمل على مهمات من قواعد الإسلام والدين ، كما عَرَّف العلماء الطهارة الواردة في الحديث بمعناها اللغوي العام أي كل ما يجب أن يتنزه عنه الإنسان ويجتنبه مما يستقذر ، وليس بالمعنى الشرعي الخاص أي الوضوء والغسل فقط . وترجم الترمذي رحمه الله في سننه لبعض أبوابه بقوله " باب في النظافة " وأخرج فيه حديث موقوفا على سعيد بن المسيب : (إن الله طيب يحب الطيب ، نظيف يحب النظافة ، كريم يحب الكرم ، جواد يحب الجود) ( سنن الترمذي : 5/111 دار إحياء التراث العربي ) وترجم ابن حبان صحيحه في كتاب الزينة والتطيب لبعض ما أخرجه من أحاديث فيه " ذكر الأمر بالإحسان إلى الشعر لمربيه وتنظيف الثياب إذ النظافة من الدين " .(صحيح ابن حبان : 12/294مؤسسة الرسالة ، بيروت ) ويمكن تلمس أبواب الطهارة بمعناها العام في كافة كتب السنة الجوامع منها والسنن والمسانيد والمصنفات وغيرها وفي كافة كتب الفقه والآداب الشرعية . مظاهر اهتمام الإسلام بالطهارة والنظافة : 1.غسل الأيدي بماء طاهر قبل وضعها في أي إناء أو غيره . ورد في السنة الحث على غسل الأيدي ليس فقط عند إرادة الوضوء والصلاة ، إنما أيضا عند غمسها في أي إناء ، وقبل تناول الطعام ، وبعد الفراغ منه ، ثم تغسل مع ذلك وجوبا خمس مرات في اليوم والليلة في الوضوء للصلوات الخمس . أخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده ) صحيح مسلم : 1/233) وفي سنن أبي داود والترمذي وغيرهما عن سلمان قال : قرأت في التوراة : أن بركة الطعام الوضوء قبله ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده " وحمل العلماء الوضوء هنا بمعنى غسل الأيدي ( سنن أبي داود 2/372، سنن الترمذي : 4/281) 2.المضمضة والاستنشاق . المضمضمة والاستنشاق من سنن الوضوء عند الجمهور ومن واجباته عند البعض ، لكن الاستنشاق ورد الحث عليه منفردا في سنن الفطرة ، ما يعني أنه غير مرتبط بالوضوء ، والأصل في المضمضة والاستنشاق المبالغة في غير الصيام أي سحب الماء إلى داخل الفم والأنف ، مع أن الأصل في المبالغة المنع ؛ لما فيها من التكلف إلا أنها هنا مستحبة أو سنة وورد في المبالغة في الاستنشاق حديثا وألحق العلماء المضمضة به . أخرج أبو داود في سننه عن لقيط بن صبرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما " (سنن أبي داود :1 / 721) 3.السواك وما في معناه . حث الإسلام على استخدام السواك ، وفهم العلماء من ذلك أنه مستحب في كل حال وليس في حال القيام للصلاة أو الوضوء فقط ، فهو في هذه الحالات أشد استحبابا ، كما يعظم أمره عند تغير الفم أو أكل ذي ريح كريه ، ومقصوده تنظيف الفم والأسنان ومنع تراكم الميكروبات والجراثيم التي يمكن أن تؤذي الشخص أو تنتقل منه إلى غيره . والسواك المقصود في الإسلام هو الآلة التي تنظف الفم سواء أكانت عود أراك أم غيره ، وعبارة الفقهاء كما قال ابن قدامة رحمه الله في المغني أن الشخص يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء " 0 المغني : 1/109دار الفكر ) وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) وفي رواية " عند كل وضوء " وفي رواية خالية من التقييد بالصلاة والوضوء عند البخاري ( لأمرتهم بالسواك) ( صحيح البخاري-:1 / 303، صحيح مسلم 1/220) ومن جميل حاله صلى الله عليه وسلم كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث المقدام بن شريح عن أبيه قال : ( سألت عائشة ، قلت بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ؟ قالت : بالسواك) وفي حكمة مشروعية السواك أخرج النسائي مرفوعا والبخاري تعليقا عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) (سنن النسائي الكبرى : 1/64، صحيح البخاري : 2/682) 4.تغطية الوجه عند العطس والتثاؤب . أخرج الترمذي وغيره عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه وغض بها صوته ) (سنن الترمذي : 5/86) والمقصود : النهي العطس في الهواء بحيث يصيب رذاذ عطاسه غيره ، فيمكن أن يخفي ذلك بمنديل ونحوه فإن لم يتيسر فبثوبه أو بيده . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ لمسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع ) (صحيح البخاري : 5/2289 ، صحيح مسلم : 4/2293) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع ، فإن غلبه وضع يده على فيه ) ( المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود : 1/65 مؤسسة الكتاب الثقافية ، بيروت ) 5.التحقق من نظافة الطعام والشراب وجودته. من قواعد الإسلام : لا ضرر ولا ضرار ، والضرر منهي عنه ، ويجب إزالته ، ومن المعلوم أن الطعام لو لم يكن جيدا ونظيفا ففيه من الضرر أكثر من النفع ؛ فإذا كان هناك من الأطعمة ما تتناول طازجة وبها الكثير مما يجب إزالته إما بالماء ، أو بغيره فلا يجوز تناوله قبله ، وإذا كان لا بد من الطهي جيدا كاللحوم ونحوها فلا يجوز تناوله نيئا إلا بذلك ؛ منعا للضرر والأذى . ويقال مثله في الشراب ماء أو غيره فلا يتناول إلا الطاهر النظيف الخالي من أي قاذورات أو جراثيم وغيرها . 6.النهي عن النفخ في الطعام والشراب أوالتنفس في الإناء . أخرج ابن ماجه وأحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ) لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في إناء ) ورواية أحمد " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الطعام والشراب " سنن ابن ماجه : 2/1094، المسند : 1/309) وأخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء وإذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه وإذا تمسح أحدكم فلا يتمسح بيمينه ) (صحيح البخاري: 5 / 2133) 7.النهي عن الشرب من فم القِرْبة والسقاء . ( الإناء الكبير المملوء ماء أو غيره من السوائل) أخرج البخاري في صحيحه وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرب من فم القربة أو السقاء .." (صحيح البخاري : 5/2132) والمقصود هنا : ألا يتناوب الناس على الشرب من موضع واحد إنما يفرغون الماء في كوب ثم يشربون منه . 8.تغطية الطعام والشراب . أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وأغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئا ) وفي رواية مسلم : (غطوا الإناء ، وأوكوا السقاء ، وأغلقوا الباب ، وأطفئوا السراج ، فإن الشيطان لا يحل سقاء ، ولا يفتح بابا ولا يكشف إناء ..) صحيح البخاري : 3 / 1195 ، صحيح مسلم: 3 / 1594) وفي رواية لمسلم ( غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء ، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء )( صحيح مسلم : 3 / 1596) 9.النهي عن البصق أو الامتخاط على الأرض . ورد النهي عن البصق أو الامتخاط على الأرض وتركه ، ومعظم الروايات جاءت في النهي عنه في المسجد ، وأمرت بدفنه وهذا فيما إذا أمكن الدفن حيث تكون التربة رملية أو ترابية أما إذا لم تكن كذلك فيجب إزالته بمطهر ونحوه ، ولا يفهم أن النهي عن البصق خاص بالمسجد جائز فيما عداه إنما وجه التشديد في حالة المسجد مظنة اجتماع الناس فيه وتقذرهم برؤية هذا البصاق أو اشتماله على أمراض يمكن أن تنتقل عدواها إلى الغير ؛لذلك فهو من باب الخاص الذي أريد به العام ، ويكون النهي عن البصاق في الأرض عاما ، وإذا وقع فلا تركه ليتقذر الناس من رؤيته أو يتضررون منه سواء أكان في المسجد أم في الشوارع والطرقات أم في المؤسسات أم في غيرها . 10.الاستنجاء من البول والغائط بالماء أو بكل ما يزيل أثر النجاسة . الاستنجاء بمعنى قطع كل أثر للبول أو الغائط من موضعهما من الواجبات الشرعية سواء أراد المسلم الصلاة أم لم يرد ، ويتعين الماء لذلك من حيث الأصل وإلا فيجوز بكل ما يحقق المقصود من حجارة أو أوراق خاصة بذلك ، وقد ورد عده من جملة سنن الفطرة ، كما أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء " قال الراوي : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة" وانتقاص الماء يعني : الاستنجاء " (صحيح مسلم: 1 / 223) ومن أعظم ما ورد في شأن الاستنجاء والتنزه من آثار البول والغائط ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : يعذبان وما يعذبان في كبير ، ثم قال : بلى ، كان أحدهما لا يستتر من بوله ، وكان الآخر يمشي بالنميمة ) ومعنى : لا يستتر من بوله : أي لا يستبريء من بوله ولا يتحفظ من الإصابة به . وقد وردت هذه المعاني في روايات . ( صحيح البخاري : 1/ 88 ، صحيح مسلم : 1/240) 11.الاستنجاء باليد اليسرى وغسلها بعده . من هدي الإسلام أن يكون الاستنجاء باليد اليسرى وليست اليمنى لأن اليمنى غالبا ما يأكل الشخص بها ، ويسلم على غيره ، ومن هنا كانت السنة أن تكون اليسرى للاستنجاء ونحوه ، وفي جميع الأحوال لابد من غسلها بعد الاستنجاء ، وإن لم يجد ماء مسحها بالتراب ليزول كل أثر للنجاسة . وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ، ولا يتنفس في الإناء ) (صحيح مسلم : 1/225) وفي البخاري وغيره عن ابن عباس قال : قالت ميمونة : (وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم دلك يده بالأرض ..) صحيح البخاري (1 / 104) ودلك اليد بالأرض ليزيل أي أثر ، ويقوم مقامه الآن : تنظيفها بأي مطهر من ماء وصابون ونحوه . 12.إزالة ما يتأذي به الإنسان مما يخرج من جسمه من شعر عانة أو إبط أو أظفار . وهذا مما ورد في حديث سنن الفطرة ، وفيها : تقليم الأظفار ، وقص الشارب ، ونتف الإبط ، وهذا لما يترتب على وجود هذه الأشياء من أذى للإنسان أو التضرر من رائحتها ونحوه . 13.تخليل أصابع اليدين والرجلين . أخرج الترمذي وغيره من حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : )إذا توضأت فخلل الأصابع ) ( سنن الترمذي : 1/56) والتخليل : إدخال أصابع اليدين بعضهما في بعض لمزيد من التنظيف وحتى يتحقق إزالة ما بينهما من قذر ونحوه ، وفي أصابع الرجلين : غسل ما بين الأصابع كذلك باليدين حتى يتحقق من خلوهما من كل أذى . 14.غسل البراجم ( عقد الأصابع ، ومعاطف الأذن ، وداخل الأنف ) أما البراجم : فهي جمع برجمة ، والمقصود بها : عقد الأصابع في الأصل لكن العلماء ألحقوا بها : معاطف الأذن وقعر صماخها وداخل الأنف وغيره حيث يتعين إزالة ما فيها من وسخ . وقد ورد الحث عليه في حديث سنن الفطرة المتقدم . وهذا الحكم ليس خاصا بالوضوء بالوضوء ، إنما ينبغي العناية به في كل حال يستوجب ذلك ، قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " أما غسل البراجم فسنة مستقلة ليست مختصة بالوضوء ، والبراجم - بفتح الباء وبالجيم - جمع برجمة بضم الباء والجيم ، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها ، قال العلماء : ويلحق بالبراجم : ما يجتمع من الوسخ في معاطف الاذن وهو الصماخ فيزيله بالمسح ؛ لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع ، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف ، وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أى موضع كان من البدن بالعرق والغبار ونحوهما " شرح النووي على مسلم - (3 / 150) 15.النهي عن قضاء الحاجة في الطرقات أو في الظل أو في المياه الراكدة أو الجارية . ورد في السنة تحذير شديد من إيذاء الناس بقضاء الحاجة في الأماكن العامة كالطرقات ، أو فيما يتأذون به نفسيا أو بدنيا كالتخلي في أماكن الظل ومثلها مواضع الانتظار لسيارات الركوب والاستراحات ونحوها ، وكذا في المياه الراكد أو الجارية لما في ذلك من إفسادها . أخرج أبو داود وغيره عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " اتقوا الملاعن الثلاثة : البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، والظل " والمقصود : تجنبوا الأمور التي تجلب اللعن على فاعلها سواء من الناس أو من الله تعالى . ولا يعتقد أحد أن ذلك خاص بمن فعل ذلك بشكل مباشر إنما يدخل فيه أيضا من فعله بشكل غير مباشر أو تسبب فيه أو ساعد عليه ، وهذا ما يمكن ملاحظته في صرف المجاري في مياه الترع والأنهار ، أو إهمال شبكة الصرف الصحي بحيث تنفجر كل لحظة وأخرى فتغرق الشوارع والطرقات ونحو ذلك . 16.النظافة العامة للبيوت . أخرج الترمذي وغيره عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ... نظفوا أفنيتكم ) والفناء هو وسط الدار ، وهو مظنة الإهمال ؛ حيث يكون جل الاهتمام في النظافة إلى موضع النوم ونحوه ، فكأن الحديث يشير إلى نظافة كافة غرفه من باب أولى . 17.التجمل في اللباس والنعل ، وهو معنى أكبر من مجرد النظافة . قال تعالى { وثيابك فطهر }( المدثر : 4) وبالغ الإسلام في طهارة الثياب ونظافته فطلب من المسلم التجمل فيه ، وليس في ذلك مظنة كبر أو استعلاء ، كما في حديث مسلم وغيره عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر . قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس) (صحيح مسلم:1 / 93) 18.استعمال الطيب والروائح الذكية . من هدي الإسلام التطيب والحرص على قطع كل رائحة خبيثة من عرق أو غير عرق ، وهو ما كان يحرص عليه النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحواله ، وحث الأمة عليه ، وخاصة عند ظهور روائح كريهة بسبب عمل ونحوه أو عند الاجتماع بالناس ، فقد أخرج أبو داود في سننه عن عكرمة : ( أن أناسا من أهل العراق جاءوا ، فقالوا يا ابن عباس : أترى الغسل يوم الجمعة واجبا ؟ قال: لا ، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل ، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب ، وسأخبركم كيف بدء الغسل ؟ كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ، ويعملون على ظهورهم ، وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك الريح ، قال : أيها الناس ، إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه ) (سنن أبي داود : 1 / 150) وهنا يؤكد الحديث على أهمية ألا يكون المسلم سببا في إيذاء غيره ولو برائحة كريهة ، سواء أكان في مسجد أو في عمل أم في مواصلات ونحوها . 19.نفض الفراش قبل النوم . أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم يقول : باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ) صحيح البخاري(5 / 2329) صحيح مسلم : 4/ 2084) 20.استحباب الغسل لأي اجتماع مع الناس ، واستدامة الوضوء بكل حال . الغسل منه ما هو واجب للتطهر من الحدث الأكبر للرجال والنساء ، ومنه ما هو مندوب ، كغسل الجمعة والعيدين وللإحرام وللوقوف بعرفة ولدخول مكة وللطواف وللسعي وللمبيت بمزدلفة .. وكل ما تقدم وردت فيه نصوص ، وقد فهم العلماء من ذلك : استحباب الغسل في كل حال يكون فيه المسلم في جمع من الناس حتى أوصلها البعض إلى أكثر من سبعة وثلاثين موضعا ، ثم ختموا المواضع بقولهم : ولكل مجمع خير أو مباح " ( بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين للشيخ عبد الرحمن باعلوي : 58 دار الفكر ) أما الوضوء فهو واجب عند إرادة الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة ، ومع كونه عبادة ففيه تنظيف للأعضاء الظاهرة في البدن التي تكون مظنة ملاقاتها للنجاسة والقذارة . والوضوء منه ما هو واجب كما ذكر ، ومنه ما يكون مسنونا ومستحبا كالوضوء لذكر الله ، وقراءة القرآن ومس المصحف ،وللنوم ، وعند الغضب ، وعند الجماع أو معاودته ، وللأكل والشرب ، وقبل الغسل .. فكأنه لا يوجد حال من أحوال المسلم إلا ويستحب أن يكون فيها على وضوء . وبعد .. فهذه جملة آداب شرعية في باب النظافة العامة أثبتناها كما وردت في كتب السنة والفقه من غير شرح ولا تفصيل ولا بيان آثارها الطبية ، وإن كانت لا تخفى ، لكننا أردنا أن نثبت بعرضها أن هذه الأحكام كما هي وقاية ونظافة فهي عبادة من العبادات يثاب على فعلها ، ويلام على تركها ، أو كما قال العلماء من الإيمان ، وهو وإن كان مما نفخر به وننباهي به الدنيا كلها إلا أن الفخر الحقيقي يوم أن تنضبط سلوكياتنا وفق هذا المنهج وهذه الأحكام .. { ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } الأحزاب : 71) حفظ الله المسلمين وسائر خلقه من كل مكروه .