كانوا يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، يظهرون الحب والمودة لمن حولهم من المسلمين وفي الحقيقة يضمرون العداء للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم ، ورغم أن هذا الفريق من الناس وإن لم يكونوا جنسًا أو طبقة أو حزبًا، إلا أنهم كانوا أقوى من كل هؤلاء مجتمعين؛ لأن أعمالهم وأقوالهم تتم في الخفاء، وقد أتقنوا الظهور بما ليس في قلوبهم ويمكنهم أن يكذبوا وينكروا ما قالوا أو فعلوا، ولهم أسلحة عدة؛ منها: التقلب، والغدر.
ومما لا شك فيه كان النفاق من الرذائل المعروفة عند العرب في الجاهلية وإلا ما أتقنه منافقو المدينة، وكان بعض أهل مكة من كبار المنافقين، وحتى المسلمين كان منهم منافقون مهرة، فأبو لبابة كان منافقًا عندما غدر برسالة الرسول إلى بني قريظة وأطلعهم على ما ظنه قصد النبي، ثم ندم وتاب وربط نفسه بسلسلة في إحدى أساطين المسجد، ولكن نفاقه كان قصير الأمد فأسرع إلى التوبة. لم نعثر على شعر جاهلي يصف النفاق، ولكنا لا نشك في وجوده؛ فإنه حالة من حالات النفس التي لا يمكن أن تكون قد فلتت من ملاحظة الشعراء؛ فهو حتمًا في الفطرة الإنسانية نوع من الوقاية عند الخطر، وأوله النفاق السلبي؛ وهو إنكار الفعل أو القول، ثم هو مزيج من الجبن والأنانية والكذب والخداع والاستهانة بعقل الغير والجرأة على الحق، ولا يجوز أن نخلط بينه وبين المجاملة الاجتماعية والمداراة التي قيل بسببها: «دَارِهِمْ ما دمتَ في دَارِهِمْ، وأرضهم ما دمت في أرضهم.» وقال رسول الله: نبشُّ في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم. فهذا لون من أدب الاجتماع؛ لأن ظهور المرء بحقيقته في كل الأحوال مدعاة للهلاك ومُظهر للعداوات ومحرك للأضغان ومُسقط للهيبة بسبب فجر الخصم وانفجاره، ثم إن الظهور بالمجاملة والمداراة للسفهاء واللئام دفاع مشروع عن النفس للخلاص من أذاهم ورد لكيدهم في نحورهم، وهو مشروع على أساس انتشار الشر في الطبيعة الإنسانية وحاجة المرء العاقل لاتقائها
• ومعظم هؤلاءِ المنافقين إما: أنهم من أهل الكتاب الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، وبعضهم من الخزرج والأوس، وفريق رابع من الأعراب المجاورين للمدينة.
وإليك أشهرَ هؤلاءِ المنافقين الذين لَعِبوا دورًا خطيرًا في الفتن في العَهْد المدنيِّ:
أولاً: منافقون من الأوس والخزرج:
• عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ (رأس المنافقين)، وفيه نزلت سورة المنافقون، والآيات من (11-17) من سورة الحشر، وحادثة الإفك في ثماني آيات من سورة النور، وآيات أخرى كثيرة.
• جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، وفيه نزل قوله تعالى: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ﴾ [التوبة: 74].
• الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ أخو جُلَاس. وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 86].
• بِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ.
• نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ. وفيه نزل قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 61].
• زُوَيُّ بْنُ الْحَارِثِ... وهو أوْسِيٌّ.
• أَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ. وكان ممن بنَى مسجدَ الضِّرار، ومعه من المنافقين: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ، وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَعَمْرُو بْنُ خِذامٍ، وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ مُجَمِّعٌ وَزَيْدٌ، وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [التوبة: 107].
• أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ. وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴾ [الأحزاب: 13]، وهو أخو مِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ من المنافقين أيضًا.
• (أبو طُعمة) بَشِيرُ بْنُ أُبَيْرِقٍ سَارِقُ الدّرْعَيْنِ. وفيه نزل قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [النساء: 107].
• وَقَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، ورَافِعُ بْنُ وَدِيعَةَ... وكلُّهم من الخزرج، ومن بني النجار.
• وَالْجَدّ بْنُ قَيْسٍ، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ﴾ [التوبة: 49].
ثانيًا: منافقون من أحبار اليهود:
سَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى بْنُ عَمْرٍو، وَعُثْمَانُ بْنُ أَوْفَى)، وكلُّهم مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعٍ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، وَسِلْسِلَةُ بْنُ بَرْهَامٍ، وَكِنَانَةُ بْنُ صُورِيَا.
ثالثا: منافقون آخرون:
• عَصْمَاءُ بِنْتُ مَرْوَانَ.
• الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثّقَفِيُّ من ثقيف، وكان حسن المظهر حلو المنطق. نزل فيه قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾[البقرة: 204]
هذه بعض الأسماء التي لعبت دورًا في مأساة النِّفاق بالمدينة.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهااقرأ أيضا:
الحسن بن علي هكذا تصرف سبط النبي عندما قطع معاوية عطاءه .. أعظم صور اليقين بالله .. تعرف علي القصة