كل من عاصره واقترب منه شهد له بالفضل والاجتهاد والزهد، وأن ظاهره كباطنه، هذا في عصر كان فيه الفضلاء كثر، وهذا يدلّ على قوة زهده ومحبته التي قذفها الله في قلوب الآخرين، حتى صار كلامه حجة في الزهد والمواعظ.
شهادات بفضله:
قيل لمالك بن دينار: صف لنا الحسن البصري، فقال: كان إذا أقبل كأنما أقبل من دفن أمه، وإذا تكلم فكأنما النار فوق رأسه، وإذا قعد فكأنما هو أسير قرب لضرب عنقه.
وعن عطاء الأزرق , قال: قال رجل للحسن: يا أبا سعيد كيف أنت؟ كيف حالك؟
قال: بأشد حال، وما حال من أصبح وأمسى ينتظر الموت لا يدري ما الله صانع به.
وعن أبي خليفة: أن الحسن كان مختفيا في داره فانتبه أبو خليفة ذات ليلة والحسن يبكي، فقال: ما أبكاك؟ قال: ذنب لي ذكرته فبكيت.
وعن عبد الصمد بن سليمان , قال: دخلنا على الحسن وهو في مسجد الحي في يوم شديد الحر، لو طرحت بضعة لاشتوت، وقد ابتلّ قميصه من العرق حتى لو شئت أن أعصره لانعصر، فقلنا له: يا أبا سعيد لو تحولت إلى الظل.
قال: وإني لفي الشمس؟ ما علمت أني فيها، إني ذكرت ذنبا من ذنوبي منذ أربعين سنة فذهبت بي الفكرة ما علمت أفي الظل أنا أم في الشمس.
اقرأ أيضا:
قلب المؤمن ليس كقلب غيره.. ما علامة ذلك؟مواعظ بليغة:
روي عن المبارك بن فضالة عن الحسن قال: لو وجدنا درهما من حلال لتداوينا به.
وكان الحسن يقول: لو أن الناس إذا ابتلوا من سلطانهم بشيء فزعوا إلى الله عز وجل لم يلبثوا أن يرفعه الله عنهم، ولكن فزعوا إلى السيف، فوالله ما جاءوا بيوم خير قط ثم تلا: "وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا".
وكان يقول: أيها المتصدق على المسكين ترحمه , ارحم نفسك التي ظلمتها.
وكان رجل من الخوارج يغشى مجلس الحسن فيؤذيهم , فقيل للحسن: يا أبا سعيد ألا تكلم الأمير حتى يصرفه عنا، فسكت عنهم , فأقبل ذات يوم والحسن جالس مع أصحابه، فلما رآه الحسن , قال: اللهم قد علمت أذاه لنا فاكفناه بما شئت، قال: فخر والله الرجل من قامته فما حمل إلى أهله إلا ميتا، فكان الحسن إذا ذكره بكى وقال: البائس ما كان أغرّه بالله.
وقال الحسن: أصول الشر ثلاثة، وفروعه ستة، فالأصول: الحسد , والحرص , وحب الدنيا.
وفروعه: حب الرياسة، وحب الفخر، وحب الثناء، وحب الشبع , وحب النوم , وحب الراحة.
وعن بلال بن كعب , قال: اجتمع الحسن وفرقد السبخي في وليمة فأتوا بخبيص فأمسك فرقد يده، فقال له الحسن: كل.
قال: يا أبا سعيد ومن يقوم بشكر هذا؟ قال: كل فلنعمة الله عليك في الماء البارد أعظم من نعمته عليك في الخبيص.
وكان أيضا رحمه الله يقول: إياكم وما يشغل في الدنيا، فإنه لا يفتح رجل على نفسه بابا من الدنيا، إلا سد عليه عشرة أبواب من عمل الآخرة.