من الكرامات والمعجزات التي أكرم الله بها نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم، الكثير، والتي يعجز اللسان عن ذكرها، والقلم عن كتابتها، ومن في طفولته ما كشفته مرضعته حليمة السعدية، حينما قالت :لم يبقَ من صواحبي امرأة إلا أخذت صبيًا غيري فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئًا، فقلت لزوجي والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
تقول حليمة: رجعت فأتيته فأخذته ورجعت إلى رحلي، فقال زوجي: قد أخذتيه، فقلت نعم والله، فقال: عسى أن تكون فيه بركة. فأخذتـُه فسعدتٌ بأخذه، وأقبل عليه ثدياها بما شاء الله من اللبن، وشرب من اللبن حتى تركه من الشبع، ، فكان ذلك أولى بركات الرسول صلى الله عليه و سلم.
مع السيدة حليمة:
ولما آن الرحيل، وودعت حليمة السعدية آمنة بنت وهب أم الرسول الله صلى الله عليه وسلم ،وجاءت حليمة لتركب آتانها فإذا بالآتان تسرع في المشي ،وقد لاحظ نسوة بنى سعد ذلك ، فقلن لها : أليست أتانك الضعيفة يا بنت أبى ذؤيب ؟! فقالت : بلى ، و لكنه غلامى الرضيع . فكان ذلك ثاني بركات الرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعند حلب ماعز ضعيفة فوجىء زوجها بأنها تدر لبنا وفيراً ببركة الرضيع.
ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم فى بنى سعد سنتين كاملتين.
و فى يوم من الأيام , خرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن حليمة السعدية يرعيان الغنم , فإذا برجلين عظيمين , يأخذان رسول الله صلى الله عليه وسلم و يرقدانه , و يشقان صدره , و كان أخوه من الرضاعة يشاهد ما يحدث له عن قرب , فخاف عليه , و أسرع راجعا إلى أمه ليحكي لها ما شاهده .
فأسرعت حليمة السعدية نحو المكان الذى يرعى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم , و فوجئت أنه سليم معافى , لكنه كان فيه أصفرار فى الوجه , فسألته عما حدث, فحكى لها, فضمته إلى صدرها , و خافت عليه , فرجعت به إلى السيدة آمنة تحكي لها ما حدث , فطمأنتها السيدة آمنة , و عاد النبى صلى الله عليه وسلم مرة أخرى إلى بادية بنى سعد .
ثم ذهبت حليمة إلى آمنة أم الرسول صلى الله عليه وسلم تستأذنها أن تبقي لها محمداً , حتى يشب , ويكبرفلما سألت آمنة : و لماذا تريدين أن يبقى معك محمدا يا حليمة ؟ فقالت لها : يا سيدتي , و الله , لقد أحببت محمداً حباً شديداً , منذ أخذته منك , و ما زالت بركات الله تنزل علينا , منذ أن أخذناه . فقالت آمنة : والله , إن إبني هذا سيكون له شأن , فاحفظيه يا حليمة . فقالت : لا تخافي يا سيدتي , فمحمد فى عيني , و عادت حليمة السعدية برسول الله صلى الله عليه وسلم فرحة , فإن البركة ستبقى معهم سنين أخرى .
و لما شب الرسول صلى الله عليه وسلم , بدأ يخرج يرعى الأغنام لحليمة السعديه , و كان كلما نزل بمكان من إخوته من حليمة , وجد فيه عشبا كثيرا , فكانت النساء تقول لأولادهن : اسرحوا , حيث يسرح راعي حليمة السعدية , لما كن يرين من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من بركة دعائه صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا، فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أكره، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبَى عليّ، فدعوتها اليوم، فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله أن يهدي أمَّ أبي هريرة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ»، فخرجتُ مستبشرًا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فلمَّا جئتُ، فصِرتُ إلى الباب، فإذا هو مُجاف، فسمِعَتْ أمي خَشْفَ قَدَمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمِعت خَضْخَضَةَ الماء، قال: فاغتسَلَتْ ولبِستْ دِرعها وعَجِلَت عن خِمارِها، ففتحتِ البابَ، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيتُه، وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله، أبشِر، قد استجاب الله دعوتَك وهدى أمَّ أبي هريرة، فحمِد الله وأثنى عليه، وقال خَيْرًا، قال: قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحبِّبَني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويُحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا -يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ- وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ»، فما خُلِق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني.
ومن ذلك دعاؤه عليه الصلاة والسلام لأنس بن مالك رضي الله عنه حينما طلبت منه أمه ذلك؛ بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ». قال أنس: "فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم".
ومن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم لبعير جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ فقد روى أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: فَتَلَاحَقَ بِي وَتَحْتِي نَاضِحٌ لِي قَدْ أَعْيَا، وَلَا يَكَادُ يَسِيرُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «مَا لِبَعِيرِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: عَلِيلٌ، قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الْإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ.
ومن أمثلة ذلك أيضاً إجابة الله تعالى له في استسقائه، ثم بكشف المطر حين شكوا إليه كثرته؛ فقد أخرج الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أصابت الناس سنة (السنة بالفتح : الجدب والقحط) على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه وما في السماء قزعة (القزعة: القطعة من الغيم)، قال: فثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته.
قال: فمطرنا يومنا ذلك ، وفي الغد ومن بعد الغد، والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال : يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه وقال: «اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا»، قال: فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا تفرجت حتى سارت المدينة في مثل الجوبة (الجوبة بالفتح: هي الحفرة المستديرة الواسعة، أي: حتى صار الغيم والسحاب محيطًا بآفاق المدينة)، حتى سال الوادي -وادي قناة- شهرًا، قال: فلم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود (الجود: المطر الواسع الغزير). أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما".