خبيب بن عدي صحابي انصاري جليل ينتسب لبني جحجيا بن كلفة من الأوس، قيل شهد غزوة بدر إلا أن ابن إسحاق والواقدي لم يذكراه فيمن شهد الغزوة. إلا أن المؤكد أن خبيبًا شارك غزوة أحد، ثم شارك في سرية المنذر بن عمرو التي بعثها النبي محمد إلى أهل نجد ليُعلموهم القرآن، فأُحيط بهم، وقُتل معظمهم، ووقع خبيب في الأسر، فباعوه إلى أناس من مكة
،وبعد وقوع خبيب في الأسر أخذ أبو سروعة عقبة بن الحارث ليقتُله بأبيه الذي قُتل في بدر. فخرج به إلى التنعيم، ثم استأذنهم في صلاة ركعتين قبل أن يقتلوه، فأذنوا له، فكان أول من استنّ سُنّة الصلاة قبل القتل صبرًا، ثم أنشد خبيب قبل أن يقتلوه، فقال:
ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على أي جنب كان لله مصرعي
وذاك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع
الصحابي الأنصاري الجليل كان كان مع الذين أسلموا مع النبي صلّ الله علية وسلم ، وكان مؤمنًا شجاعًا كثير العبادة لله ، وكان واحدًا من الذين أظهروا شجاعة عظيمة في غزوة أحد ، فقتل كثيرًا من المشركين مما ملأ قلوب الكفار حقدًا عليه ورغبة في الانتقام منه.
وفي أحد الأيام جاء إلي النبي صلّ الله عليه وسلم وفد من قبيلة هذيل التي كانت تسكن بين مكة والمدينة ، يبايعونه علي الإسلام ويطلبون منه أن يرسل معهم بعض المسلمين ليعلموهم الدين ويحفظوهم القرآن الكريم ، فأرسل النبي صلّ الله عليه وسلم معهم عددًا من المسلمين ؛ ليقوموا بهذه المهمة الجليلة.
وكان بينهم عاصم بن ثابت وعبدالله بن طارق وزيد بن الثنة وخبيب بن عدي ، فساروا معهم متجهين إلى ديار قبيلة هذيل ، وبينما هم في الطريق هاجمهم جماعه من المشركين وغدر وفد بني هذيل بالمسلمين ، ورغم قلة عدد هؤلاء المؤمنين إلا أنهم قاتلوا بإيمان وشجاعة حتى استشهد ثلاثة من المسلمين ، منهم عاصم بن ثابت وبقى ثلاثة من المسلمين أحياء.
في هذه اللحظة طلب المشركون منهم أن يستسلموا وعاهدوهم ألا يمسوهم بأذى ، فصدقهم المسلمون واستسلموا لهم ، ولكن المشركين غدروا بهم واخلفوا وعدهم وأسروا المسلمين وربطوهم بالحبال وساروا بهم إلى مكة ، وسار المسلمون الثلاثة عبد الله وزيد وخبيب وهم مقيدون بالأغلال.
الصحابي الجليل عبدالله بن طارق حاول تجاوز هذه الأزمة عبر انتزاع يده من الأغلال ، ثم اخذ سيفه وأحس به المشركون فتراجعوا عنه وراحوا يرمونه بالحجارة حتى قتلوه ، ووصل المشركون الخائنون ومعهم خبيب وزيد إلى مكة ، فباعوا زيد لرجل من المشركين ليقتله انتقامًا وثأرًا لبعض قتلي المشركين في غزوة أحد ، ثم باعوا خبيبًا لمشرك أخر فأخذه وحبسه حتي يقتله.المشركون لم يكتفوا بقتل الصحابي الجليل بن طارق بل أبلغوا رفيق دربه خبيبًا أنهم سوف يقتلونه ، وسوف يصلبونه ولكن خبيبًا لم يرهبه الموقف ، ولم يجبن ولم تضعف عزيمته وإنما راح يصلي ويقرأ القرآن ، وظل في حبسه لا يكف عن ذكر الله والدعاء والتضرع إليه.
وكان الله تعالي يرزق خبيبًا في سجنه من الثمرات التي لم تكن موجودة في مكة ، وكان المشركون يتعجبون من أمره ، ولكنهم ظلوا يعذبونه ويسعدون لقتله حتى حان الموعد الذي حدده المشركون لقتل خبيب ، فأخرجوه من سجنه ليقتلوه فقال لهم قبل أن يصعدوا به لقتله ، دعوني حتى أصلي ركعتين.
المشركون استجبول لطلبه وتركوه يصلي ركعتين طويلتين وبعد أن انتهي من صلاته ، التفت إليهم وقال لهم: والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت خوفًا من القتل لاستكثرت من الصلاة ، وأخذوا خبيبًا وقيدوه وصلبوه علي ألواح من الخشب ، وأراد هؤلاء المشركين أن يساوموا خبيبًا ، وأن يجعلوه يترك دينه قبل أن يقتلوه فقالوا له : أتحب أن يكون محمدًا مكانك ؟
وهنا رد الصحابي الجليل خبيب مستنكرا طرح الأمر عليه بالقول : لا والله ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه ، فأخذوا يسخرون منه ويضحكون ، وتقدم رجل من المشركين وهو يمسك بحربته ، فطعن خبيبًا طعنة قوية وخبيب يردد : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وأخذ الرجل يطعنه طعنات متكررة في حقد ووحشية حتى تمزق جسد خبيب.
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاومن أن علم الرسول صلّي الله علية وسلم بموت خبيب فأرسل رجلًا من المسلمين ؛ لينزل جثمان خبيب ثم يدفنه ، وتسلل الرجل في الظلام ثم فك قيود خبيب الشهيد المصلوب ، فسقطت الجثة علي الأرض ، وحينما نزل الرجل ليدفن الجثة تملكته الحيرة والدهشة ، فقد كانت هناك مفاجأة عجيبة !! ، لقد اختفت الجثة ! ، ولم يستطيع العثور عليها أبدًا !ومن النعم كذلك الذي حبا الله بها الصحابي الجليل ابتلعت الأرض الجثة واختفت إلي الأبد ، وتناقل المسلمون تلك القصة العجيبة وأطلقوا علي خبيب بليع الأرض بعد أن ابتلعته بأمر من الله عزوجل ، لقد استشهد خبيب البطل بعد أن ضرب أروع الأمثلة في البطولة والفداء ، ولم يخضع لكفار قريش الظالمين