عمير بن سعد بن عبيد رضي الله عنه صحابي أنصاري جليل اعتنق الإسلام منذ نعومة اظافره ، وقد ربطه اسلامه المبكر بالدين الحنيف و كان شديد التقوى والعبادة لله سبحانه وتعالى ، فقد كان دائمًا في الصفوف الأولى عند الصلاة أو الجهاد ، أما أبيه فهو الصحابي الجليل سعد القارئ رضي الله عنه وقد توفي ابوه وهو صغير فتزوجت أمه من الجلاس بن سويد وكان الأخير يعامل عمير معاملة تقوق حنو الأباء .
عمير رضي الله عنه كان هادئ الطبع لا يسمع عنه أحد شيئًا ولا يظهر بين الناس إلا قليلًا وبرغم ذلك أحبه الصحابة وأحبوا مجلسة وكان من المقربين من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي عينه واليا علي حمص بالشام بل ولقبه بنسيج الأمة في ظل حرصه الشديد علي وحدة الصف وتواضعه الجم وقربه من الصالحين .
وكان الصحابي الجليل معروفا بحبه اللامحدود بالنبي لدرجة أنه سمع زوج والدته الجلاس بن سعد يتحدث بشكل غير لائق عن النبي محمد صّلي الله عليه وسلم : إن كان محمد حقًا لنحن شر من الحمير ، وقتها غضب عمير من هذا القول وأستنكره وقال له : والله يا جلاس إنك لمن أحب الناس إلي وأحسنهم عندي يدًا، وأعزهم علي أن يصيبه شيء يكرهه ، ولقد قلت الآن مقالة لو أذعتها عنك لآذتك ، ولو صمت عليها ليهلكن ديني ، وإن حق الدين لأولى بالوفاء ، وإني مبلغ رسول الله ما قلت .
غير ان الجلاس حاول استدرك الأمر قائلا : اكتمها علي يا بني ولكن عمير رفض هذا الطلب وقال : لا والله. وذهب إلى رسول الله صّلي الله عليه وسلم وهو يقول : لأبلغن رسول الله قبل أن ينزل الوحي يشركني في إثمك.
وبعدها ذهب الصحابي الأنصاري الجليل عمير رضي الله عنه إلى رسول الله صّلي الله عليه وسلم وحدثه عما قاله الجلاس بن سويد ، فقام الرسول صّلي الله عليه والسلام بطلب حضور الجلاس إليه حتى يتحقق من الأمر ، ووقتها أنكر الجلاس ما قاله عمير وحلف بالله أن ما قيل كذب .
فما كان إزاء هذا الموقف الحساس الإ ان نزل وحي السماء علي الرسول بآيات تؤكد حديث الغلام حيث قال الله تعالى في سورة التوبة : { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ۚ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ۖ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿٧٤﴾ } صدق الله العظيم .
وهنا لم يجد الجلاس بدا من الاعتراف بما حدث وتاب عما فعل وحسن إسلامه ولم يسمع منه عمير رضي الله عنه أى شيئًا مرة أخرى
وبعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم وسيدنا ابو بكر وتولي عمر رضي الله عنهم الخلافة ، و أخذ يرتب أمور الخلافة ويختار الأمراء والولاه وفقًا لدستوره الذي أعلن عنه قائلًا : أريد رجلاً إذا كان في القوم ، وليس أميرًا عليهم بدا وكأنه أميرهم ، وإذا كان فيهم وهو عليهم أمير ، بدا وكأنه واحد منهم ، أريد واليًا لا يميز نفسه على الناس في ملبس ، ولا في مطعم ، ولا في مسكن ، يقيم فيهم الصلاة ، ويقسم بينهم بالحق ، ويحكم فيهم بالعدل ، ولا يغلق بابه دون حوائجهم .
وفي هذه اللحظة وجد الفاروق ضالته في اختيار عمير بن سعد رضي الله عنه واليًا على حمص ، وبعد محاولات كثير لعمير أن يعتذر عن ذلك ، رفض عمر بن الخطاب وألزمة بالولاية .
وبالفعل ذهب عمير رضي الله عنه إلى حمص ، ولكنه لم يرسل برسالة واحده إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه طوال سنة كاملة ، فتعجب الفاروق من هذا الأمر وأرسل إلى عمير بن سعد أن ياتي إليه ويتحقق من أمره ، فجاء عمير بن سعد إلى الفاروق عمر وهو في حالة تعب شديد متكًأ على عصاه .
فتحدث إلى الفاروق عمر بن الخطاب وألقى عليه تحية الإسلام فقال له الفاروق : ما شأنك يا عمير ؟ ، فرد عمير : شأني ما ترى ، ألست تراني صحيح البدن ، طاهر الدم ، معي الدنيا فقال عمر : وما معك ؟ ، قال عمير : معي جرابي أحمل فيه زادي ، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي ، وإدارتي أحمل فيها وضوئي وشرابي ، وعصاي أتوكأ عليها ، وأجاهد بها عدوًا إن عَرَض ، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي ، فسأله عمر : أجئت ماشيًا قال عمير : نعم .
في ظل هذا الحوار المثير تساءل أمير المؤمنين : أولم تجد من يعطيك دابة تركبها ؟ ، فقال عمير : إنهم لم يفعلوا ، وإني لم أسألهم ، فقال عمر : فماذا عملت فيما عهدنا إليك به ؟ ، قال عمير : أتيت البلد الذي بعثتني إليه ، فجمعت صلحاء أهله ، ووليتهم جباية فيئهم وأموالهم ، حتى إذا جمعوها وضعتها .
ولو بقى لك منها شيء لأتيتك به، فقال عمر : فما جئتنا بشيء ؟ ، قال عمير: لا. فشعر عمر بن الخطاب بالفخر والسعادة وقال : جددوا لعمير عهدًا ، ولكن عمير بن سعد رضي الله عنه رفض هذا وقال : تلك أيام خلت ، لا عملت لك ، ولا لأحد بعدك ، وقد ظل عمير بن سعد متواجدًا ببلاد الشام حتى توفى فيها وذلك فى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.