كان الإمام أحمد بن حنبل نموذجا في الصبر والورع ، غير تقليدي، لذلك، ظهر على جميع أقرانه ومعاصريه، وشهدوا له بالفضل في ذلك، وازداد فضله وإمامته فيما وقع له في محنة القول بخلق القرآن، حيث ثبت ثباتا منقطع النظير.
حكاية عجيبة:
قال إدريس الحداد: لما كانت المحنة وصرف أحمد إلى بيته حمل إليه مال جليل وهو محتاج إلى رغيف يأكله، فرد جميع ذلك ولم يقبل منه قليلا ولا كثيرا.
قال: فجعل عمه إسحاق يحسب ما رد فإذا هو خمس مائة ألف، فقال له: يا عم أراك مشغولا بحساب، فقال: قد رددت اليوم كذا وكذا، وأنت محتاج إلى حبة، فقال: يا عم لو طلبنا لم يأتنا وإنما أتانا لما تركنا.
وقال أبو بكر المروذي: لما حبسوا أحمد بن حنبل في السجن جاءه السجان , فقال: يا أبا عبد الله الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال السجان: فأنا من أعوان الظلمة؟ قال له: أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن أنفسهم.
اقرأ أيضا:
للعالم والمتعلم.. نصائح ذهبية من الإمام عليشهادة معاصريه:
قال يحيى بن معين: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، صحبناه خمسين سنة فما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الصلاح والخير.
وقال علي بن سعيد الرازي: صرنا مع أحمد بن حنبل إلى باب المتوكل فلما أدخلوه من باب الخاصة قال لنا أحمد: انصرفوا عافاكم الله، فما مرض منا أحد بعد ذلك اليوم.
وقال آخر: أربعة لهم منّة على الإسلام: أحمد بن حنبل أبو عبد الله حيث ثبت في المحنة، فلم يقل بخلق القرآن، وأبو عبد الله الشافعي , حيث بنى الفقه على الكتاب والسنة، وأبو القاسم ابن سلام , حيث فسر غرائب حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأبو زكريا يحيى بن معين , حيث بين الصحيح من السقيم.
وقال محمد بن موسى: حمل إلى الحسن بن عبد العزيز ميراثه من مصر فحمل إلى أحمد بن حنبل ثلاثة أكياس في كل كيس ألف دينار فقال: يا أبا عبد الله هذه من ميراث حلال فخذها فاستعن بها على عيلتك، قال: لا حاجة لي بها، أنا في كفاية فردها ولم يقبل منها شيئا.
وكان غلام من الصيارفة – أصحاب العملة- يختلف إلى أحمد بن حنبل فناوله يوما درهمين، فقال: اشتري بهما أوراقا، فخرج الغلام واشترى له، وجعل في جوف الورق خمس مائة دينار وشده وأوصله إلى بيت أحمد بن حنبل فسأل وقال أحمد: شيء من البياض، فقالوا: بلى، فوضع يده فلما أن فتحه تناثر الدنانير فردها في مكانها وسأل عن الغلام حتى دلّ عليه فوضعه بين يديه.
وقال إدريس الحداد: ما رأيت أحمد قط إلا مصليا أو يقرأ في المصحف أو يقرأ في كتاب، ما رأيته في شيء من أمر الدنيا، وقيل: ربما اشتد به الأمر فبقي اليوم واليومين والثلاثة لا يأكل فإذا رأى أهله شرب الماء يوهمهم أنه شبعان.