يقول الله تعالى في سورة "الحجرات": "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6).
يقوم الانسان بإطلاق الأحكام المتحيزة على الآخرين بناء على دوافعه وعلى علاقته بهم، وهناك من يحب سماع الكذب حتى يصبح الكذب شهوته التي يحبها ويمارسها ويروج لها نطلقا وسماعا، وهناك من يجتزئ من كلام الغير ليقيم عليه حد اللعنة والسباب، والحديث في عرضه وذمته، وهناك أيضا من يجتزئ ليحرم حلال أو يحلل حراما، وهناك من يقرأ القرآن على طريقة " ولا تقربوا الصلاة".
انطباعات عن الناس
ومن المعروف أن الإنسان يكوّن انطباعات وأحكام عن الناس بعد ثوانٍ من مقابلتهم، وبمرور الوقت، قد تتغير هذه الانطباعات، لكن الإنسان يظل منحازًا لانطباعه الأول، لذلك يعتبر تقييم شخصيات الآخرين أمرًا هامًا؛ لأنه سيحدد علاقتك بهم فيما بعد، وربما يستغرق الأمر وقتًا أطول حتى تشعر أنك تفهم شخص ما بالشكل الكافي لبناء فهمك الخاص لبعض صفاته، مثل انضباطه أو انفتاحه أو استقراره العاطفي.
فربما تقرأ تصريحا أو عنوانا على لسان أحد العلماء جعل منه أحد الصحفيين "مانشيت عريض" لجلب رجل الزبون، وبمجرد أن تقع في شرك هذا العنوان، دون أن تطالع الحقيقة، أو تعرف كيف خدع الصحفي ضيفه بسؤاله عن أحد الأشياء والمسائل الشاذة، فيضطر العالم للرد.
وحينما يرد العالم من خلال دليل في الكتاب والسنة، ربما يجد الصحفي صيده الثمين في كلمة قالها ضيفه ولم يلق لها بالا، فيصنع منها حدثا، ويغير به الحقيقة التي قالها صاحبها، فيقرأ الناس العنوان دون المتن، وينخدعون مثلما انخدع المتحدث، فيكون الانطباع سلبيا، وربما يكون مغلفا بالاتهامات واللعنات، دون أن تعرف الحقيقة.
اقرأ أيضا:
إياك أن تضع الخل على العسل.. أخلاقك عنوانك وطريقك لمحبة للهتبين قبل أن تصدق
ويقول الله تعالى في ذلك: " ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ )[الحجرات: 6 - 10].
وسبب نزول الآية فيما روى الإمام أحمد عن الحارث بن ضرار الخزاعي أنه قال:(قدمت على رسول الله، فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه، وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام، وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، فيُرسلُ إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً لإبَّان كذا وكذا، ليأتيك ما جمعت من الزكاة... فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ زمان الوعد الذي أراد رسول الله أن يبعث إليه، احتبس الرسول فلم يأتِ، فظن الحارث أن قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله، فدعا سروات قومه، فقال لهم: إن رسول الله كان وقَّت لي وقتًا يرسل إليَّ رسوله ليقبضَ ما كان عندنا من الزكاة، وليس من رسول الله الخُلْفُ، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت، فانطلِقوا فنأتي رسول الله.
وبعث رسول الله (الوليد بن عقبة) إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق، فرق فرجع، فأتى رسول الله فقال: إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رسول الله البعث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه حتى استقبله البعث وقد فصل عن المدينة، قالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال: إلى أين؟ قالوا: إليك، قال: ولِمَ؟ قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك (الوليد بن عقبة) فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمدًا بالحق ما رأيته، ولا أتاني، فلما دخل الحارث على النبي قال: ((منعت الزكاة وأردتَ قتل رسولي؟!))، قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته، ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس عليَّ رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ خَشِيتُ أن تكون كانت سخطة من الله ورسوله؛ فنزلت الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا... ﴾ [الحجرات: 6].
ويقول العلماء إن ضعف تطبيق التوجيه الشرعي من قبل ناقل الخبر، قد يؤدي إلى التسرع في الحكم على الآخرين، فقد نهى الله - عز وجل - في كتابه العزيز عن التسرع في الحكم دون التدقيق فيه لذلك يجب أن تكون حذراً جدا عند الحكم على الآخرين ولا تحكم على موقف ما من خلال الاستماع لطرف واحد في قضية ما، إن جاءك متذمراً بل استمع إلى الطرفين لأن كل شخص يرى الأمور من منظاره وتبقى أنت وحدك تجر أعباء حكمك المتسرع على عاتقك.