الغضب آفة مذمومة وصفة بغيضة تأنف منها الطباع السليمة وينفر منها العقلاء.. دائما ما يوصف الإنسان السريع الغضب بالمتهور غير العقلاني الذي تسيره المواقف وتتحكم فيه الظروف والمرجو ان يكون المؤمن وقاف عند الحق معتدلا في تصرفاته حتى لا يقع في الخطأ. من هنا حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحث على معالجته بالطرق المشروعة، ولا تعارض قطعاً بين الوحي الإلهي ـ كتابا وسنة ـ وبين ما يقتضيه العقل الصحيح، فالإسلام لا يدعو إلى استئصال الغضب ومنعه بالكلية، بل هو ينظم تلك القوة النفسية في الإنسان بما يدفع عنه الضرر ويجلب له النفع أو لغيره.
ذم الغضب:
وبالنظر إلى نصوص الشرع الحنيف في
الغضب نجد كيف حذر الشارع منها
ففي القرآن يقول تعالى في سورة الشورى:( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"؛ إذا فالغضب لابد حاصل للإنسان؛ لكن الشرع حث على تملك النفس عند الغضب، بحيث لا يأتي الغاضب بمحرم من قول أو فعل حين غضبه، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فالقوي في الحقيقة؛ هو من يملك نفسه حين غضبه ، فلا يدفعه غضبه لعدوان أو فعل محرم أو مضرة لنفسه أو لغيره، ولا يكون ذلك إلا بالصبر.
كظم الغيظ:
والمأمور به شرعا أن
كظم الإنسان غيظه ولا يتورط في الغضب ويكون سريع الانفعال وليس معناه أن تكتم في نفسك غيظا وحنقاً وغِلّا على أخيك، وتبقيه في نفسك؛ فإن هذا الغل والحقد هو الذي يورث الأمراض والأسقام، بل الحال الكاملة في مثل ذلك : أن تصرف الغضب والغيظ والحقد والحنق عن نفسك ، وتسليها عن ألم الغضب والغيظ ، وشهوة الانتصار: بما أعده الله لعباده وأوليائه جزاء على ذلك ، فيهون عليها ، وتتسلى عنه ، وتسكن وتبرد .
كيف أكظم غيظي؟
هناك عادة طريقتان أساسيتان للتعبير عن المشاعر والعواطف، إما الطرق السلبية أو الإيجابية، فمن الطرق السلبية الغضب الشديد وتكسير بعض الأثاث والضرب، وربما تعادي بعض الممنوعات، أو الحبوب أو التفكير بالانتحار.
ومن الطرق الإيجابية، الحديث المباشر مع الشخص المباشر عن الموقف، وبعض الهوايات المفيدة كالرياضة والمشي والرسم والكتابة والاستمتاع بالمناظر الطبيعية من جبال وبرّ وبحار.
والإنسان أمامه الاختيار بين الطريقين، وأحيانا عندما نهمل أنفسنا، فقد نجد أنفسنا ننساق وراء الطرق السلبية للتعبير عن عواطفنا، فنشعر بالندم والحزن؛ فالنهي عن الغضب إذا هو نهي عن مطاوعة النفس في حال هيجان القلب واشتعاله بالغضب، فيقدم الإنسان على قول أو فعل ما لا يجوز له، أو ما قد يندم عليه بعد ذلك، وهذا هو أصلح ما يكون في دفع الهم والغم على الإنسان في عاجل أمره وآجله؛ إذ إن الواقع المشاهد يدل على ما لإنفاذ الغضب ومطاوعة النفس من آلام نفسية، وآثار سيئة يندم عليها الغاضب كثيرا بعد زوال غضبه، وربما لم يستطع إصلاح ما جناه عليه غضبه فيجلس في ضيق وهم؛ لا يقارن بما لو كظم غيظه وكبح جماحها، وكل الخير والعافية في اتباع كلام الله كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة مراد الله ورسوله والعمل به.
ثم لا يلزم من إنفاذ غضبك، أن يكون ذلك بالرد على من أغضبك، بانتقام، أو سب ، أو ضرب ، أو نحو ذلك ، بل بإمكانك أن تصرف طاقتك في رياضة مفيدة ، أو عمل نافع.