ورد سؤال إلى موقع amrkhaled.net حول شاب يحفظ ما يزيد عن نصف القرآن، لكنه دائمًا ما ينساه بسرعة، حتى أن الشيطان ما يدخل له من هذا الباب ويوسوس له "بأنه طالما أنك لا تتمكن من تثبيت ما تحفظ من القرآن فما هي الفائدة من الحفظ بالأساس؟، وبالتالي يكفيك قراءته فقط"، الأمر الذي يصيبه بإحباط في استكمال حفظ باقي القرآن الكريم، فماذا يفعل؟.
الجواب:
أولاً: أنصح أيها الأخ الكريم بألا تجعل للشيطان مدخلاً في هجر كتاب الله، حتى ولو كنت تنسى بسرعة، فمجرد النظر في كتاب الله تحصل به الثواب الكبير، فما بالك إذا كنت تجاهد في حفظه، إعمالاً بالقياس في حديث النبي صلى الله عليه وسلم بأن من يقرأ القرآن الكريم فله أجر ومن يتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران.
فما أجمل أن يعيش الإنسان مع كتاب ربه عز وجل، قراءة وتدبرًا وحفظًا وتفكرًا، وما أجمل أن يكون حفظ القرآن والحفاظ عليه هو محور اهتمام الإنسان وشغله الشاغل، فهنيئا لك جهادك في الحفظ، وهنيئا لك همتك العالية، وهنيئا لك تاج الكرامة؛ فقد قال– صلى الله عليه وسلم-: “يَجِيءُ صَاحِبُ القُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبّ حَلّهِ فَيُلْبَسَ تَاجُ الكَرَامَةِ، ثُمّ يَقُولُ: يَا رَبّ زِدْهُ، فَيُلْبَسَ حُلَةُ الكَرَامَةِ، ثُمّ يَقُولُ: يَا رَبّ أَرْضَ عَنْهُ، فيرضى عنه فَيُقَالُ له اقْرَأْ وارق وَيُزَادُ بِكُلّ آيَةٍ حَسَنَةٌ” (قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح).
واسمع لهذه البشرى الطيبة من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيما ورد عن بريدة قال: “كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: تعلموا البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة. قال: ثم سكت ساعة، ثم قال: تعلموا البقرة وآل عمران؛ فإنهما الزهراوان، يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أوغيابتان أو فرقان من طير صواف، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق قبره كالرجل الشاحب، فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة؛ فيُعطى الملك بيمينه والخلد بشماله، وبوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا؛ فيقولان: عمَّ كُسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها؛ فهو في صعود ما دام يقرأ، حدرا كان أو ترتيلا” (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).
ولذلك، فأجر الصبر على الحفظ مضاعف عند الله عز وجل؛ فالقابض على دينه في هذا الزمن كالقابض على الجمر.
وعليك أيها الأخ الكريم، أن تراجع القرآن باستمرار وفي وقت فراغك، فالإنسان لو ركز في الحفظ فقط وترك المراجعة فسينسى ما حفظه مع تباعد الوقت، وقد أخبرنا الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: “تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها" (رواه مسلم).
اقرأ أيضا:
أخطأوا في حقك وجاؤوا معتذرين.. ماذا يجب عليك؟وللمراجعة وتثبيت الحفظ هناك طريقان:
الأولى: الجمع بين المراجعة والحفظ يوميا: وذلك بأن تحددي كما معينا للحفظ وآخر للمراجعة، وأرى أنه يمكنك أن تحفظي ربعا أو نصف ربع في اليوم، ثم تراجعي جزءا أو حزبا، حسب ما تستطيعين.
الطريقة الثانية: المراجعة والحفظ أسبوعيا: وذلك بأن تحددي أياما للحفظ وأياما للمراجعة، وأرى مثلا أن تجعلي ثلاثة أيام للمراجعة، تراجعين كل يوم جزءا، وتجعلي أربعة أيام للحفظ، تحفظين كل يوم ربعا مثلا حسب ما تستطيعين أيضا.
نصائح أخرى لتثبيت حفظ القرآن
– إخلاص النية لله تعالى، والتوجه إليه بهذه العبادة العظيمة، ومراقبة النفس في مقصدها بين الحين والآخر.
– التعرف على فضائل القرآن وفضائل حفظته؛ فمعرفة فضائل الشيء دافعة للوصول إليه.
– البعد عن المعاصي والتخلق بآداب القرآن؛ فهذا القرآن هو نور الله، ونور الله لا يهدى لعاص.
– الدعاء واللجوء لله أن يتم عليك هذه النعمة ويحفظها عليك، ويمكنك منها.
– وضع خطة مناسبة وواقعية -كما ذكرنا سابقا- والمحافظة عليها مهما كانت الظروف.
6- فهم الآيات والتركيز فيها وتدبرها بالاستعانة بتفسير وجيز مختصر.
7- تمييز الآيات المتشابهة والتعرف عليها ووضع طريقة معينة لحفظها وعدم التداخل بينها.
8- تحديد وقت ومكان مناسبين للمراجعة، وتثبيت ذلك قدر الإمكان.
9- المزاوجة بين تلاوة القرآن والاستماع إليه عن طريق إذاعة القرآن أو بعض الفضائيات أو الاستعانة بأشرطة وأسطوانات لبعض القراء المعتبرين.
10- الاستعانة بشيخ متقن للقراءة للحفظ، والاستعانة ببعض الأهل أو الأصدقاء للمراجعة.
ذكر ابن مسعود رضي الله عنه قال: “ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يختالون”.
وعن الفضيل بن عياض قال: "حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن".