مرحبًا بك يا عزيزتي..
الوحدة، والبقاء منفردًا، سلاح ذو حدين، هي مطلوبة ولكن بحدود، فبعض الناس يحب الانعزال لبعض الوقت مع نفسه، ثم يعود مجددًا للتواصل، والتعامل مع الناس بشكل صحي، وقد تجدد نشاطه، والبعض الآخر ينعزل باختياره هربًا من الألم من التعامل مع الناس!
فلو أنك كلما خرجت للناس تألمت، ولو أنك كلما خرجت إلى الناس شعرت بالرغبة في العودة سريعًا والانعزال بمفردك، أو لو وجدت نفسك لا تريدين التواصل مع الناس، وغير راغبة ولا قادرة على التواصل مع أحد، ولمدة طويلة تتجاوز الشهر، فهذه العزلة "مرضية"، وربما تكون علامة على إصابتك بالإكتئاب أو غيره من الإضطرابات والأمراض النفسية، والتشخيص لا يمكن تحديده إلا بواسطة طبيب متخصص
مسئوليتك تجاه نفسك ألا تعلقي كل المشكلات على شماعة الآخرين- أهلك، زملاء العمل، إلخ-، وإنما فكري في مسئوليتك أنت عن هذه "الوحدة"، حتى تصبح لديك قدرة على التأقلم، وتعامل صحي معها، فإسقاط الذنب على الآخرين على الرغم من اختيارك للوحدة والانعزال هو تصرف مرضي.
كما أن أسلوب التفكير هذا وحكمك على الحياة قد ينم عن وجود اضطرابات معرفية، لذا تحصلين في كل مرة على النتيجة نفسها، لأن عقلك ببساطة لم يتمرن إلا على هذه الطريقة.
عزيزتي..
12 عامًا بدون زواج، ولا أصدقاء، ولا "ناس"، وكل العلاقات "سطحية"، أمر لا ينبغي المرور عليه هكذا، مرور الكرام، والتعامل معه على أنه طبيعي أبدًا، فأنت لأكثر من عقد من الزمن، ولد فيه جيل كامل، هكذا، وقد مر من عمرك أربعة عقود، ومقبلة على عقدك الخامس، ولا زلت هكذا؟!
عزيزتي..
إن وجودك غالي، وعمرك غالي، ولم يفت الوقت بعد، فلا تجعلي الوحدة سجنك، وباختيارك، حاولي وجربي التحرك، والمقاومة، واكتشاف نفسك، بمميزاتها وعيوبها، والشغل على هذه العيوب فربما أحدها هو ما يقف حجرة عثرة دون تواصلك مع من حولك، واستغلال مميزاتك لجعل أفئدة طيبة من الناس تهوي إليك.
انخرطي وسط الناس، وبادري، بدون انتظار لسؤال الآخرين عنك، وابداء الرغبة في التواصل معك، أحدثي أنت التغيير، ولو وجدت نفسك عاجزة فأنت بحاجة إلى طلب المساعدة النفسية المتخصصة.
عزيزتي..
أرجو أن تفرقي بين "الاستقلالية"، و"الاستغناء"، فبينهما شعرة!
وأظنك كنت تطلبين الاستقلال وهو حقك، فانجرفت ناحية الاستغناء، أما الاستقلال فهو لا يلغي العلاقات، ولا يهمشها، ولا يستهين بها، أو يحذفها من قائمة الأولويات، وأما الاستغناء فمعناه اللاعلاقة، في تطبيق مؤسف للاستقلال، واهمًا، أنه هكذا، لذا ربما وصلت منك رسائل بدون قصد لأهلك بالاستغناء، لذا لم يعد أحد منهم يهتم، وعشت أنت هذه الدراما التي لا تسمن ولا تغني من وحدة!
الخلاصة، أنه بدلًا من توجيه ناظريك نحو الآخر وهو الذي لا يمكنك تغييره، وبدلًا من إساءة الظن، وتبرئة النفس، والانكار، وترك النفس لدفاعاتها، انظري على نفسك، فأنت لا تستطيعين تغيير أحد سوى نفسك، بتعديل أفكارك، ومشاعرك، وسلوكك، وتصرفاتك، فثلاثة أرباع الشقاء أو النعيم يأتي من طريقة التفكير، إذ يمكن الاستقلال ولكن بدون استغناء، جلب لك الحزن، والوحدة.
وأخيرًا، قلت أنك أصبحت تفضلين البقاء مع ممتلكاتك في منزلك الفخم، وأذكرك أنك مع ذلك "حزينة"، وما ذلك إلا لأن أسوأ إئتناس يا عزيزتي هو الائتناس بالمادة!
الممتلكات، والعقارات، والسيارات، والذهب، والملبس الفخم، والطعام، والكثرة من هذا كله وغيره من متاع الدنيا، لا يغني عن الفطرة البشرية، السوية، في الائتناس بالناس.
إن كنت تحبين الحيوانات الأليفة فلا بأس من اقتناء أحدها، ورعايته، والائتناس معه، فهذه الأرواح تؤنس ومن الممكن أن تعالج الكثير مما تعانيه، فهي تكسر الصمت، وتضفي الدفء، وتشعر بالحياة، وهي مما في استطاعتك فعله.
عزيزتي.. العلاج يبدأ عندك، ومنك، بفعل ما في استطاعتك فعله، لا الآخرين.
عزيزتي.. العلاج يبدأ عندك، ومنك، لأنك تستحقين.
ودمت بكل خير ووعي وسكينة.
اقرأ أيضا:
زوجتي طفلة كلما غضبت خاصمتني وذهبت لبيت أهلها.. ماذا أفعل؟اقرأ أيضا:
صديقتي تريد الانتحار وأهلها رافضون ذهابها إلى طبيب نفسي .. كيف أنقذها؟