عزيزي المسلم، اعلم يقينًا أنه من علامات النضج أنك تقلل جدًا من قدرتك على الفضفضة.. كما تقلل إظهار حزنك أو حالتك أو حتى تحاول أن تشارك هذا الحزن مع الناس .. أيضًا من النضح ألا تجلس وتشتكي للناس أو تحكي أو تناقش همومك.. لأنك حينها لن يكون لديك القدرة لكل ذلك، ولا حتى سيكون مصدرًا للراحة لك، على الرغم من أن ذلك كان يفرق معك جدًا في السابق، كنت ترتاح لمجرد الحكي أو المناقشة، تفضفض ما بداخلك، وتلقيه بين يدي من تحب أو بين يدي من تثق بهم، لكن الآن الوضع تغير، وأصبحت لا تستطيع حتى أن تتكلم، أو أن يسألك أحدهم عن حالك.. فقط ترد بكلمة واحدة (كله تمام).. حينها اعلم أنك دخلت مرحلة نضوح من نوع خاص.

إعادة الأوجاع

سترى أن (الفضفضة) نوع من إعادة الأوجاع، وأنك تحاول أن تنسى، فلا فائدة من تكرار الحديث فيها، لأن الأمر يؤلمك أكثر، خصوصًا أنك أيقنت أنه لا أحد سيساعدك في شيء، فقط سيسمعون، ثم يرحل كل واحد منهم لحال سبيله، وربما لن تجد أحدهم يتصل بك لاحقًا يسأل عنك، أو حتى يرسل لك برسالة طمأنة، فقط هو استمع ورحل.. إذن لماذا الفضفضة وما جدواها؟.. لا شيء سوى فضح أحزانك، وإعادة وتكرار الإحساس بالآلام مجددًا.


حينها سترى نفسك ضحية للجميع، من ظلمك، أو من سرق حقك، أو حتى من لم يهتم بأمرك، لأنك ربما من يستمع لك، قد تراه لا يتعاطف معك، يستمع ولا يهتم، فأنت تدفع بكل مشاعرك وأحاسيسك وألمك حتى يشعروا بك، والنتيجة: أنه لا أحد يهتم ولا يشعر بك من الأساس.. حينها ستكون الصدمة أكبر من أن تعيش وجعك وحيدًا.. فتعود مجددًا إلى الوحدة تشكو حالك لحالك.

اقرأ أيضا:

هل كل شيء في حياتنا "قسمة ونصيب"؟

المهون الحقيقي

لكن بعد سلسلة من (اللف) بين الناس على من يستمع لك، ثم يهتم لأمرك، ثم يحاول مساعدتك، ستكتشف بعد الوصول للنضج الحقيقي، أنه ليس بين الناس، وستدرك حينها أن يهون بالفعل عليك، بل و(يطبطب) عليك، ويعي جيدًا تفاصيلك، ليس ذلك فحسب، وإنما يقدر ويستطيع أن يغير من حال إلى حال إنما هو الله عز وجل وفقط.. قال تعالى على لسان نبي الله يعقوب عليه السلام وهو يشكو حاله لله بعد غياب أبنه يوسف: « إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ».. وانظر جيدًا لقوله (وأعلم من الله ما لا تعلمون )، لأن معرفتك بقدرات الله وثقتك فيه .. قادرة على أها تحولك من حال إلى حال و توفر عليك مشاعر وأفكار و أوجاع كثيرة أنت في غنى عنها.