يحصد الإنسان ما زرعه، فإن زرع خيراً حصد، وإن زرع ألغاماً وقع فيها حتى وإن أرتأى أن شظاياها أمر مستحق وطبيعي ولكن في الناموس الإلهي تبدو الأمور غير ذلك، والناس من طين مختلف، فمنهم من يفهم تلك المعادلات والقوانين "فلا يظلم ولا يقهر" مهما كانت المبررات والحجج، فكل تسديدة للكرة ستعود إليه بنفس قوتها طبقاً لعبقرية القدر الإلهي والذي لا يحابي أحد، ولذلك فإن أهل الطيبة من البشر يطهرون أنفسهم أولاً بأول ويبرأون ساحتهم أمام الله من بخس الحقوق وظلم الآخرين.
إن مسألة تصعيد الصراع الأرضي بين البشر من طرف تجاه طرف آخر، يقابلها تصعيد في السماء تمهيداً لقرار الثواب والعقاب، فالألم النفسي المقصود وحيل الاستفزاز والخديعة والتي يسببها "الشخص الماكر" أو (الساكت عن المكر) سيرتد إليهم ذلك عاجلاً أو آجلا تبعاً لسخط المظلوم على الظالم، وتبقى هذه المواقف مثل القضية الجنائية في "قاموس القدر" والتي لا استئناف فيها سوى بالمعالجة والمراجعة، فالعاقل ينأى بنفسه من أن يصبح متهم على ذمة قضية يحكم فيها الله بأمره.
اقرأ أيضا:
الكبر يأكل الحسنات ويعرض صاحبه للعقاب.. هذه أهم أسبابهإن هؤلاء الذين يلهثون خلف الغنائم على حساب غيرهم أو يزرعون الألغام في طريق أقرانهم، هؤلاء جميعاً يدخلون تحت تردد غير منسجم مع الفطرة ولكنه متناغم مع ترددات شبيهة تعلمها الملائكة والتي تنظم وترتب تلك الأفعال وتحدد من أجناس مختلفة تتشابه طباعهم "وتعرفهم بسيماهم" هي عملية تصنيف مختلفة قد لا ندركها كلها ولكنها تتم في النهاية، والملائكة تطوع كل الأدوات وتجهز البيئة لرد كل مظلمة ومعاقبة كل ماكر فعندما يأتي وقت الألم الحقيقي والحكم القضائي فلن يتمكن هؤلاء من معرفة سبب هذا العقاب.. هي ترددات طبيعية ومعادلة سارية لا تحابي أحد.
هذا الكلام ليس "قصة من قصص الدراويش"، بل هو الصدى الطبيعي لتلك التجارب التي رأيتها وقرأتها، أو تلك التجارب التي أتوقع نتائجها "ولا يظلم ربك أحدا"، ولذلك فإن مسألة بث الخير في نفوس الناس بحسن المعاملة والمعاشرة دون استفزازهم أو تعريضهم لخطر الضيق والاحتراق النفسي والوظيفي، سيكون له صدى طويل الأجل، وفي كل الحالات تعمل آلية القدر و تستمر حركة الملائكة في تطهير النفوس وتبقى الأحكام الإلهية خالية من المحاباة، والمتبصرون يفهمون تلك المعادلة وقد جعل الله لهم آية في أنفسهم وآية في الأحداث والمواقف حتى تبدو أمامهم كل الأشياء في صالحهم وإن حكى الناس غير ذلك في الوقت الآني وللقدر استراتيجية يدركها أصحاب العقول ، أما الظالم والمتكبر المهووس بذاته والمنتشي بالتحكم في البشر فهو منطفأ وتبقى نواياه الحقيقية مجردة كطريق يمشي عليه نحو مصيره المحتوم.