الإحسان أرفع درجات الإيمان، وأعلى مقامات العبودية لله؛ ليس شعارات ترفع، ولا عبارات تردد، وإنما إيمان يصدقه العمل، وعمل يجمله الإتقان، وإتقان يرضى به الله عنا، هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أن تعبدالله كأنك تراه".
وهو أحد الأركان الثلاثة التي يقوم عليها الإسلام، وهي: الإسلام والإيمان والإحسان، وجمعها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "بينما نحن جالسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال له: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: أخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال : أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان. ثم انطلق فلبث مليًا، ثم قال: يا عمر، أتدري من السائل، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".
والإسلام خمس قواعد (شهادة وصلاة وصوم وزكاة وحج) والإيمان ست قواعد (تؤمن بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الأخر والقدر)، فالإحسان هو ثلث الدين وهو الروح التي تمد ثلثي الدين الآخرين (الإسلام والإيمان) بالمذاق والإحساس والجمال.
وبدون الإحسان لن تحقق المطلوب منك: "وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ"، ولذلك فأكثر صفة ورد ذكرها في القرآن من الصفات التي يحبها الله في عباده "وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".
لماذا يأمرنا الله بالإحسان؟
وقد تحدث الله تعالى في كتابه الكريم عن الإحسان، في أكثر من موضع، ومنها قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" (النحل)، "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (*) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (الملك)، "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" (الكهف).
والإحسان هو إحساس جميل يدفعك بتلقائية للإبداع، لتخرج أفضل ما عندك، فهو ليس تدينًا كميًا (تصلي وتحفظ كثيرًا، حتى لو لكن مفتقدًا للإحساس: عبادة الكم والشكل)، لكنه عبادة الإحساس والتذوق، وعندها يمكن أن تتذوق وتحقق كمًا أكبر من حلاوة التذوق.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه ، لكنه يفعل ذلك بحب وإحساس "جعلت قرة عيني في الصلاة"، فعندما تستشعر حلاوة ما تفعل، ستصلي كثيرًا، من دون أن يكون هناك تشدد، لأنه مدفوع بالحب التلقائي.
اظهار أخبار متعلقة
الإحسان للنفس قبل الإحسان للناس
وحين يفكر الإنسان في الإحسان عليه أن يركز أولاً على إحسانه لنفسه قبل إحسانه للناس، لو أحببت نفسك، وأحسنت إليها، فهذه أول خطوة لتحسن إلى الناس، فبدلاً من جلد الذات ورؤية الأسوأ في النفس، على الإنسان أن يرى في فضائله وعناصر قوته وتميزه لا أن يحتقر نفسه وينكرها.
فقد وجد العلماء أن الإنسان كي يستطيع أن يتغير ويتطور عليه أن يكون رفيقًا بنفسه أكثر من أن يكون قاسيًا عليها، فجلد الذات المستمر – دون بصيص أمل – قد يؤدي للتطرف ولليأس والكراهية، لا يمكن تصل للإحسان إلا بإحسانك لنفسك أولاً. (راجع كتاب كيف تصبح إنسانًا؟ للدكتور شريف عرفة).
وللإحسان جوائز:
-الجائزة الأولى: كلما تحسن يُحسن الله لك في حياتك، ليس في الآخرة وفقط، بل والدنيا أيضًا: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ"، " لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌۖ"، لكن كيف أخرج ما عندي، حتى تحلو حياتي؟.. صحبة طيبة.. حلاوة الإيمان.. رزق.. زوجة تحبك.. عريس رائع.
-الجائزة الثانية: لا يمكن أن يضيع جهدك.. سيكافئك حتمًا بالنجاح، وقد ورد التأكيد على ذلك سبع مرات في القرآن: "إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا".
-الجائزة الثالثة: حب الله ورحمته "وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، "إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ"، " مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".