لام الله سبحانه وتعالى صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعاتب من لم يبلغ الخشوع المطلوب، فقال سبحانه: (أَلَمْ يَاًنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَـطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16] .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم مثالا أعلى في الخشوع والتذلل إلى الله عز وجل، رغم أنه سبحانه وتعالى قد غفر له ما تقدم وماتأخر من ذنبه.
ولكن كيف يحصل الخشوع، وكيف تستعيده في رمضان وتنتهز فرصة الشهر الكريم في التقرب إلى الله عز وجل؟
أولا: يحصل الخشوع بالإقبال على كتاب الله الكريم تلاوة وفهما، وتدبرا وعملا.
قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) (الزمر: 23) .
ثانيا: إدامة النظر في ملكوت الله، وطول التأمل وكثرة التدبر فيما خلق.
ثالثا: المسارعة في الطاعات، واستباق الخيرات.
قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) (الزمر: 23) .
أما البكاء خوفا من الله فحرصك عليه أمر محمود، فنعمة البكاء خوفا من الله يحسد عليها أصحابها، وكيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم:” عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله ” رواه الترمذي.
وقال:” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه”.
إذا لم تصل إلى درجة البكاء، فعليك بالتباكي، وهو محاولة البكاء تصنع هذا البكاء إن كنت منفردا ، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:” إن هذا القرآن نزل بحزن و كآبة، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا ” رواه ابن ماجه.
وقال تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) المؤمنون:1، 2.
ولذلك إذا ذكر الخشوع انصرف الذهن إلى الخشوع في الصلاة، والسبب في ذلك يرجع لكون أعمال الصلاة تتضمن الذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والركوع، والسجود، وهي مواطن الخضوع والبكاء والخشية والتخشع.
ويقصد بالخشوع في الصلاة: حضور القلب وسكون الأطراف، وتحقيق الخشوع أمر يسعى إليه المخلصون من عباد الله، وهو يتطلب جهداً كبيرا وعزيمة أكيدة، وهمة عالية، فابذل أخي الحبيب على قدر وسعك يخشع قلبك بأمر الله.
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةكيف يحصل الخشوع في الصلاة؟
أولاً: استشعار عظمة الله: فاستشعار عظمة الله يثمر في القلب الذل لله، كما يورث الخوف والحياء من الله سبحانه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإحسان :” اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” رواه مسلم .
ولما سُئِل حاتم الأصم عن صلاته قال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، ومَلَك الموت ورائي وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين يدي الرجاء والخوف، وأكبر تكبيراً بتحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع ركوعاً بتواضع، وأسجد سجوداً بتخشع… وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقُبلت مني أم لا؟ فانظر أخي الحبيب حال حاتم وتأمل!
ثانيا: سل الله دائما في دعائك أن تكون من الخاشعين، وقد كان إمام الخاشعين صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:”اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع.”.
ثالثا: تجنب الذنوب والمعاصي، فصاحب المعصية لا بد أنه فاقد للخشوع، وهي سدٌ منيع يقف أمام خشوع العبد في صلاة، وقد كان عبد الله بن عباس يقول: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
رابعا: الإكثار من الطاعات، فكما أن المعصية تدل على أختها فالطاعة تدل على أختها، ذكر ابن القيم في ” الداء والدواء ” : أن المعاصي تزرع أمثالها حتى يعز على العبد مفارقتها , والخروج منها .
خامسا: إعطاء الصلاة قدرها الحقيقي: وهذا يعني عدة أمور، أهمها:
التبكير للصلاة، وانتظارك لها، فهذا أدعى للخشوع؛ بل هو رباط في سبيل الله، وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم:” ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟” قالوا : بلى. يا رسول الله! قال “إسباغ الوضوء على المكاره. وكثرة الخطى إلى المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط”. رواه مسلم في الطهارة (251) .
إحسان الوضوء.
صلاة النافلة قبلها وكذلك بعدها.
تعلّم أركان الصلاة وسننها واعمل بذلك. تدبر أذكار الصلاة، فإذا كبّرت فكن على يقين بأن الله أكبر من كل شيء، وحين تسمّع (سمع الله…) فاستشعر قدرة الله على سماعه لكل مخلوقاته وهكذا.
تدبر آيات القرآن في الصلاة.
سادسا: تذكّر الموت في الصلاة، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: “اذكر الموت في صلاتك، فإنّ الرجل إذا ذكر الموت في صلاته، لحريّ أن يحسن صلاته، وصلِّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها…”.