لم تكن الدموع في يوم من الأيام دليل ضعف ولا استكانة، ولكنها دائمًا وأبدًا تظل رمزًا للنبل الإنساني في أرقى مشاعره والتعبير عنه.. وفي هذه السطور يبين لنا د. محمد السقا عيد الباحث في الإعجاز العملي بعض السرار حول العيون والدموع وأسرارها..
فالدموع تحمي القرنية وتعالج الاكتئاب وتجعل العين جميلة، ومن لا تدمع عيونه يصاب بجفاف العين وبالتالي يحتاج إلى العلاج.
تأمل هذه السوائل التي تخرج من مآقينا حينما تُلم بنا الأفراح والأتراح… ما كنهها وما حقيقتها؟ إنها ليست إلا سائلاً غامضًا يجعل البريق في عيوننا يستمر… إنها الدموع. وما أدراك ما الدموع! لقد أجريت الأبحاث الحديثة على هذا السائل لفهم تركيبه ومحتوياته، ومازال العلم يخبئ في جعبته الكثير والكثير عنه مما لا نعرفه.
هذه القطرات المتلألئة التي تترقرق في العين عندما تجيش النفس بشتى الانفعالات، هل خُلقتْ عبثًا؟ لماذا نبكي ومتى نبكي؟ أمور لا نعرفها عن الدموع.
البكاء في القرآن الكريم
وردت مادة البكاء في القرآن الكريم ستّ مرات: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى)(النجم:43)، (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)(الدخان:29)،
(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)(مريم:58){س}، (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)(الإسراء:109)، (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(التوبة:82)، (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ)(يوسف:16).
ووردت مادة الدمع في القرآن “مرتين”: (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا)(التوبة:92)، (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ)(المائدة:83).
البكاء في السنة النبوية الشريفة:
في حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “عينان لا تمسهما النار، عين بكت في جوف الليل من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله تعالى” (رواه الترمذي).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم” (رواه الترمذي).
ولا ننسى بكاء النبي الكريم لوفاة ابنه إبراهيم، مما يدل على أن البكاء ليس عيبًا أو نقصًا في الرجل -كما يظن البعض- إنما هو عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى.
أنواع الدموع:
يوجد نوعان أساسيان من الدموع ينبثق منهما جميع الأنواع الأخرى هما:
أ-الدموع الأساسية أو الصِّحية: وهي دموع إجبارية وثابتة في نوعيتها وكميتها. وهي التي تفيض من عيون جميع البشر، تفرزها الغدة الدمعية بانتظام، وتصرف من العين أيضًا عن طريق مجرى الدموع، وهي تتسلل إلى داخل الأنف والحلق. وليس هناك أدنى خوف من هذه الدموع التي تذرفها العين بغزارة.
بـ-الدموع الانعكاسية: وهي تحدث إما نتيجة انفعال فيتحكم في الجهاز العصبي، أو نتيجة تعرض العين لزيادة في الضوء أو لمادة تؤدي إلى تهيّج العين مثل النشادر أو البصل، أو بعض الغازات أو الكيماويات… إلخ.
مكونات الدموع:
إذا حلَّلت الدموع هذا السائل، فإنك ستجد مكونات راقية جدًّا هي الأكسجين، والصوديوم، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والماغنسيوم، والأمونيا، والآزوت، وفيتامين ب12، وفيتامين (ج)، والأحماض الأمينية، والحديد، والنحاس، والزنك، والمنغنيز، والكلورين، والفسفور، والبيكروبونات، وحمض البوليك، والأنزيمات، وستّين نوعًا من البروتينات.
ويؤلف الماء 98-99% من السائل الدمعي، أما التوتر السطحي فيبلغ 0.6-0.7 من توتر الماء السطحي، والمشعر الانكساري يبلغ 1.337.
ويميل الدمع قليلاً نحو القلوية.
هذه المكونات تزداد تعقيدًا عند ملامستها للأغشية المخاطية في القناة الدمعية، فيضاف إليها الدهنيات والسكريات والأحماض الأمينية، كذلك الإفرازات الدهنية الغنية بالكولسترول وثلاثي الجلسرين… وكل هذه الإفرازات تغذي العين بأكملها وتحميها من الالتهابات عند البكاء.
طبقـات الدمـوع
الدموع من أهم الوظائف الفسيولوجية للعين. وقد وضعها العلماء والباحثون موضوع دراستهم وبحثهم، واستطاعوا بالتالي تصنيفها إلى ثلاث طبقات من الناحية التشريحية، الأمر الذي سهل عليهم معرفة الأمراض التي تصيب بعض أجزاء العين وطرق معالجتها.
طبقة ميكويد (İnner Mucin Layer) (Mucoid): وهي التي تُمكِّن الدمع من الانتشار على القرنية، وهي تأتي من خلايا على سطح العين.
طبقة مائية متوسطة (Midlle Aqueous Layer): وهي التي تحفظ سطح العين مبللاً والرؤية سليمة.
الطبقة الثالثة (Outer Lipid Layer): وهي طبقة خارجية زيتية من المُعتقد أنها تعيق التبخر، وهي تُفرز عن طريق غدد صغيرة على حواف الجفن.
وكما أن الدموع طبقات من الناحية التشريحية فهي كذلك طبقات من الناحية الفلسفية؛ فالنساء تملك نسبة 67% من مجال إمكانية تساقط الدموع في كل الأوقات والمناسبات حتى السعيدة منها، كما أن نسبة 62% ممن يعملون في الزراعة والأرض لا يعرفون الدموع.
أما أصحاب المراكز العليا، فنسبة صفر (0)% إلى 23% فقط هم الذين يمكن أن تنزل دموعهم لأسباب هامة وخاصة جدًّا. والدراسة التي أثبتت ذلك، تؤكد أن بتلك النسب سيعاني البشر في نهاية هذا القرن “من الأمية في المشاعر”.