يستحب بعض المسلمين الدعاء أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبور آل بيته وأولياء الله الصالحين، فلا حرج في الدعاء في أي مكان اتفق للداعي، طالما كان هذا المكان مما يجوز ذكر الله -تعالى- فيه! ولكن هناك فرق بين حصول الدعاء في مكانٍ ما بحكم الاتفاق، وبين تحري هذا المكان وقصده للدعاء فيه، واعتقاد فضله على غيره في إجابة الدعاء، فهذا الباب هو الذي يُنهَى عنه.
يقول ابن تيمية إن الدعاء عند القبور وغيرها من الأماكن، ينقسم إلى نوعين:
- أحدهما: أن يحصل الدعاء في البقعة بحكم الاتفاق، لا لقصد الدعاء فيها، كمن يدعو الله في طريقه، ويتفق أن يمر بالقبور، أو كمن يزورها فيسلم عليها، ويسأل الله العافية له وللموتى، كما جاءت به السنة، فهذا ونحوه لا بأس به.
- الثاني: أن يتحرى الدعاء عندها بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه في غيره، فهذا النوع منهي عنه: إما نهي تحريم، أو تنزيه، وهو إلى تحريم أقرب.
والفرق بين البابين ظاهر؛ فإن الرجل لو كان يدعو الله، واجتاز في ممره بصنم، أو صليب أو كنيسة، أو كان يدعو في بقعة وهناك صليب هو عنه ذاهل، أو دخل كنيسة ليبيت فيها مبيتا جائزا، ودعا الله في الليل، أو بات في بيت بعض أصدقائه ودعا الله، لم يكن بهذا بأس.
ولو تحرى الدعاء عند صنم أو صليب أو كنيسة يرجو الإجابة بالدعاء في تلك البقعة، لكان هذا من العظائم. بل لو قصد بيتا أو حانوتا في السوق أو بعض عواميد الطرقات يدعو عندها، يرجو الإجابة بالدعاء عندها لكان هذا من المنكرات المحرمة؛ إذ ليس للدعاء عندها فضل.
فقصد القبور للدعاء عندها من هذا الباب، بل هو أشد من بعضه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذها مساجد، واتخاذها عيدا، وعن الصلاة عندها، بخلاف كثير من هذه المواضع. اهـ.