كثيرة هي الأشياء التي نفتقدها يومًا بعد يوم، لكن هناك شيء في غاية الأهمية، لو فقده المسلم لكان أول شيء يفتقده في الدنيا من دينه، وهي الأمانة.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة».. إذن على كل مسلم أن يراجع نفسه، فإن فقد في نفسه الأمانة فليعلم أنه في طريقه لفقد بقية شرائع الإسلام حتى يصل إلى الصلاة ذاتها.. إذن الأمر جلل وخطير جدًا.. ويجب الحذر منه أيما تحذير، فالأمانة كأنها بداية (عِقد) الإسلام فإن فرطت فرط بقية العقد مع الوقت.

هي الأولى

أوتعلم عزيزي المسلم أن الأمانة أول ما يدخل جوف أو قلب المؤمن، لذلك فإن التفريط فيها يعني بداية التفريط في بقية شرائع الإسلام.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا بقوله: «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة»، وحدثنا أيضًا عن رفعها فقال عليه الصلاة والسلام: «ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلا أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان».

اقرأ أيضا:

المغفرة.. هل تعني مسح الذنب ونسيانه تمامًا؟

الأمانة هي العهد

عزيزي المسلم، الأمانة هي العهد الذي أخذه الله عز وجل على بني البشر بألا يعبدوا غيره، المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده، والعهد الذي أخذه عليهم في الأصل، والمذكور في قوله تعالى: « إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا» (الأحزاب:72)، وبالتالي فإنه إذا استحكمت الأمانة في قلب العبد قام حينئذ بأداء التكاليف الواردة في القرآن وفي السنة، والمؤيدتان للفطرة التي فطر الله الناس عليها، فازداد إيمانه وأدى الأمانة على أحسن وجه.. لذلك جاء التحذير النبوي من ضياع الأمانة.

 فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كيف بكم وبزمانٍ يوشك أن يأتي، يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، فاختلفوا، وكانوا هكذا؟ -وشبك بين أصابعه-»، قالوا: كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال: «تأخذون بما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على خاصتكم، وتذرون أمر عوامكم».