يبتعد الإنسان في لحظات كثيرة عن ربه سبحانه وتعالى، نظرا للحالة التي ينخدع لها في الدنيا، حينما يفقد نظرته الموضوعية لهذه الدار الفانية، ويعطيها أكبر من حجمها، فيكون النتيجة أنه يجري وراء الوهم ويقع في الفخ الذي نصب له، فوقتها يفقد موضوعيته، ويصبح أسيرا لهذا الوهم، ليحيا عمره بين الحقد والحسد والصراع على كعكة من التراب.
لذلك تُعبِّر الموضوعية عن إدراك الأشياء على ما هي عليه دون أن يشوبها أهواء أو مصالح أو تحيزات، أي تستند الأحكام إلى النظر إلى الحقائق على أساس العقل، وبعبارة أخرى تعني الموضوعية الإيمان بأن لموضوعات المعرفة وجودًا ماديًا خارجيًا في الواقع، وأن الذهن يستطيع أن يصل إلى إدراك الحقيقة الواقعية القائمة بذاتها (مستقلة عن النفس المدركة) إدراكًا كاملاً.
أهون من جدي أسك
ولأن الدنيا أهون على الله من أن تكون عقاباً للكافر أو مكافأة للمؤمن، فكما جاء عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بالسوق والناس كَنَفَتَيْه, فمر بجدي أسكَّ ميت, فتناوله بأذنه, ثم قال: «أيُّكم يحب أن هذا له بدرهم؟» فقالوا: "ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟" قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: "والله لو كان حياً كان عيباً فيه لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم» (أخرجه مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله).
وفي حديث أخر عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضةٍ ما سَقَى كافراً منها شَربة ماءٍ» (أخرجه مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله).
فالنبي يقدم مثلاً لا أحد يحبه؛ جيفة، فطيسة: «أيُّكم يحب أن هذا له بدرهم؟» فقالوا: "ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟" قال:«أتحبون أنه لكم؟» قالوا: "والله لو كان حياً كان عيباً فيه لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال عليه الصلاة والسلام:«والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم».
وقد تناول القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم، حالة اللهو التي تلهي ابن أدم عن حقيقته، فعن عبد الله رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟» (أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الشخير).
رزق وكسب
فالإنسان انشغل بشيء خسيس عن شيء نفيس, أنت في الدنيا من أجل أن تعرف الله, من أجل أن تدفع ثمن الجنَّة وهو العمل الصالح, من أجل أن يكون لك عمل تلقى الله به, من أجل أن تكون في دار السلام بسلام.
كما أن الإنسان يعيش بين رزق وكسب، والرزق ما انتفعت به، والكسب ما لا تنتفع به.
فكل ما يستهلكه الإنسان من الطعام والشراب، والثياب، والغرفة التي يسكنها، والسرير الذي ينام عليه، هذا رزقه، أما حجمه المالي فكسبه، حجمه المالي لا يقدم ولا يؤخر، لم ينتفع به، إنما يُحاسب عليه.
لذلك من عرف خطورة الحياة يعمل ليلاً نهاراً ليكسب عملاً صالحاً يرفع مقامه عند الله، فلا يوجد بالإيمان شيخوخة أبداً، يتعب جسمه، يصعد على الدرج بصعوبة، أما نفسه فشابة، الشباب المؤمن دائمًا نفسه شابة، لأن هدفه كبير جداً؛ مهما بذل من جهد، مهما سهر من ليل، مهما أنفق من مال،, يجد هذا العمل لا شيء أمام عطاء الله عز وجل، وأمام ما أعدّ له في الجنة من نعيم مقيم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً» (أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة).
ومعنى الحديث أن يعيش آل محمد بما يستر جسدهم في الحياة الدنيا ولا يسألون أحدا غير الله، لا هم فقراء يتكففون الناس، ولا هم أغنياء ألهاهم المال في الدنيا عن الحياة الأخرة.
اقرأ أيضا:
البلاء لا يعني أن الله يكرهك.. بل يحبك وهذا هو الدليل