الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة وشعيرة من الشعائر العظام تهفو إليها افئدة الملياترات ، بل تتوق فى أشهره النفوس إلى زيارة أطهر بقعتين في الكرة الأرضية المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وملحقاتهما "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا"، وقوله "وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ".
من الثابت القول وبحسب إجماع الفقهاء ان جميع الراغبين في الحج وزيارة المسجدين الحرام والنبوي الشريف يرغبون في ان يكون حجهم مبرورا وان يغرف الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أن يقوم بحزمة من الطاعات والقربات قبل أن يسد الرجال إلي الأراضي الحجازية .
ولعل أول هذه الطاعات والقربات التي يجب علي الراغب في أداء فريضة الحج التوبة النصوح على ما سلف من الذنوب، ويدخل فيها أن يعزم عزما أكيدا على أن يعود من حجه على حالة أحسن من التى فارق بلده عليها قبل الحج، فضلا عن ضرورة رد الحقوق إلى أصحابها قبل أن يسافر وبخاصة الحقوق المالية،
وكذلك يجب علي الراغب في الحج أن يتحرى الحلال فى المال الذى يكسبه بوجه عام, والذى يحج به بوجه خاص, لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا" وأن يرد المظالم لأهلها، وليستغفر الله تعالى,
وليس أدل علي أهمية هذه الطاعات والقربات من الحديث الذي رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه", وأن يزيل كل خصام كان بينه وبين الناس, وأن يعهد إلى أحد الصالحين بتولى أمر ماله وعياله حال غيبته, وأن يكتب وصيته ويشهد عليها, فربما وافته المنية فى سفرته تلك, لحديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه, يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده),
وكذلك من شروط الحج المبرور ان ينوي الراغب في الحج المفروض أو التطوع أو المنذور القرب من الله تعالى, والتوسل به إلى مرضاته وزيادة أعماله الصالحة, وأن يتجرد من شواغل الدنيا.
كما يجب على الحاج ليكون حجه مبرورا أن يقصد بحجته وجه الله والدار الآخرة، والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال فى تلك المواضع الشريفة، ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك، فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لإحباط العمل وعدم قبوله.
ومن شروط الحج المبرور كذلك أن يكون موافقًا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-, يعني أن يتبع الإنسان فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما استطاع, لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِى هَذِهِ"
كي يكون الحج مبرورا عليه أن يكون خاليًا من الجدال والرفث والفسوق, لقوله -تعالى-: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ" "البقرة:197", وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"
اقرأ أيضا:
عبادة جليلة وسنة مهجورة قلّ من ينتبه إليها.. تعرف عليهاوفي هذا السياق قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في منشور لها أن الحج المبرور جهاد في سبيل الله، والحج المقبول الذي لا يخالطه شيء من الإثم والذي لا رياء فيه، والذي وُفِّيت أحكامُه ووقع من المُكَلَّفِ على الوجه الأكمل دون أن يعصي الله تعالى فيه أثناء أدائه هو أفضل الأعمال.المركز استدل علي ذلك بالحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أخرجه مسلم.
وأكد المركز " أن الحج المبرور يعدل الجهاد لما فيه من جهاد النفس لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما أخرجه الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّهَا قَالَتْ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلَا نُجَاهِدُ ؟ ، قَالَ : لَا ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ".