عبادة جليلة قلّ من ينتبه إليها في تعاملنا مع لطاعة وهي عبادة المولاة بين الطاعات والتوالي فيها وهذه العبادة مأخوذة من كتاب ربنا ومن فعل نبينا صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[الشرح:7، 8].
وعن تأويل الآية الكريمة أقوال كثيرة تدور كلها حول الفراغ من عبادة والتلبس بأخرى؛ فقد اختلف العلماء في المفروغ منه والمنصوب فيه، فقال بعضهم: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل.. وقال بعضهم: إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء.. وقال آخرون: إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب لعبادة ربك.. وقال قوم: إذا فرغت من أمر دنياك، فانصب في عمل آخرتك.
توالي العبادات:
والآية كما هو معلوم أطلقت ولم تحدد وربما يكون المقصود كل هذا وغيره، فإن الآية أطلقت ولم تحدد، أي إذا فرغت من أمر كنت تعمله فانتقل إلى عمل آخر مما يعود عليك بالنفع في أمر دنياك وآخرتك، والمقصود أن يكون مشتغلاً بطاعة الله مبلغاً للرسالة، ينتقل من عبادة إلى عبادة، من طاعة إلى طاعة، من عمل صالح إلى عمل صالح، بلا توقف، بلا انتظار، فالمسلم طالما في الحياة فعليه أن يجد ويعمل دائما في شيء يعود عليك نفعه في الدنيا والدين، ولا يبقى فارغا أبدا. فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
أهمية التلبس بالطاعة:
ويستنتج من هذا أهمية التلبس بالطاعة دومًا وشغل النفس بما هو نافع فتلك عبادة رسول صلى الله عليه وسلم بل إنه من المقرر أن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإذا كان المسلم مطالبا بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخاطبا بما يخاطب به، فهو أيضا مطالب في حال الفراغ بالنصب.. أي إذا انتهى من طاعة أو عملٍ ما أن ينصب ويبدأ في عمل أو طاعة أخرى، وأن يرغب إلى ربه في الدعاء والعبادة، والتضرع والتبتل، لأن حياة المسلم الحق كلها لله، فليس فيها مجال لسفاسف الأمور.
أهمية شغل الفراغ:
وقد تابع النبي على هذه العبادة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بالحض على شغل الفراغ ففي الحديث : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"، ومما يؤيد هذا المعنى من قول الصحابة والصالحين ما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إني أكره لأحدكم أن يكون خالياً سبهللاً لا في عمل دنيا، ولا دين"، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: "إني لأمقت أن أرى الرجل فارغاً لا في عمل دنيا ولا آخرة"، وسبب مقت ابن مسعود رضي الله عنه لهذا النوع من الناس؛ أن "قعود الرجل فارغاً من غير شغل، أو اشتغاله بما لا يعينه في دينه أو دنياه من سفه الرأي، وسخافة العقل، واستيلاء الغفلة".