إتقان العمل من أهم القيم التي حضت عليها شريعة الإسلام، فقد جعلته أمرا تعبديا يتقرب به المسلم إلى الله تعالى، وذلك مصداقا لقوله عز وجل: “وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”، فضلا عن أنها كشفت به قوة الإنسان الحقيقية التي تختفي وراء كسله وعدم معرفة قدراته الحقيقية.
وربط الله سبحانه وتعالى العمل وإتقانه بأسباب الكسب الحلال والرزق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: “إن أطيب ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”، كما جعل الإسلام الكد في العمل والاجتهاد فيه سببا لمغفرة الذنوب والآثام فقال -صلى الله عليه وسلم: “من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له”.
ويستطيع الإنسان تحقيق المعجزات من خلال إتقان العمل، فقد يتفوق الإنسان على نفسه وعلى غيره، إذا كان ملازما وحريصا على ما يفعله لإخراجه بالصورة التي تليق به وبطبيعته كإنسان كرمه الله سبحانه وتعالى على سائر المخلوقات بالعزيمة والعقل.
حب العمل يفجر التفوق
ولعل أبرز مثال على ذلك ما تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" من مقطع مصور لشاب ومصور صحفي صيني كان يصور سباق جري ضمن بطولة ألعاب القوى بين الجامعات في الصين .
والغريب في المقطع أن المصور بدا بلياقة بدنية عالية وتمكن من التفوق على جميع العدائين في الجرى رغم أنه كان يستخدم قدمه بدلاً من أي معدات خاصة بالكاميرا لتصويرهم بسرعة شديدة .
المصور هو «هاوشياو- يانج» طالب في جامعة داتونج شمالى الصين الذي جرى حاملاً معدات الكاميرا بيد واحدة وتفوق على جميع المنافسين خلال سباق لمسافة 100 متر تاركاً العدائين خلفه حيث تخطى العدائين بسرعة كبيرة في الوقت الذي حمل فيه معدات يصل وزنها لحدود 4 كيلو جرام.
وعلق الكثير من المتابعين على الفيديو واصفين المصور الصيني بأنه الفائز في السباق .
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةالإتقان صناعة ربانية
أمرنا الله تعالى بالإتقان دينا ودنيا وأمرنا بالعلم على أعلى المستويات لتحقيق نتائج مرضية من أجل المصلحة العامة والخاصة لأفراد المجتمع، وهو ما أكده الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
والإتقان من الصفات التي وصف الله بها نفسه، فقال تعالى: “صنع الله الذي أتقن كل شيء”، وقد أمرنا الله أن نتقن عملنا لأنه سيعرض عليه، ويجب أن يكون العمل على الصورة التي نحب أن يراها ربنا ورسوله.
لذلك جعل الله عز وجل الإتقان هو الدرجة الأولى من درجتي الإحسان، وهو المعنى المشار إليه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك”، كما يؤدي الإتقان إلى الإخلاص في العمل لارتباطه بالمراقبة الداخلية، والتي تجرد العمل من النفاق والرياء، فكثير من الناس يتقن عمله ويجوّده إن كان مراقباً من رئيس له، أو قصد به تحقيق غايات أو سعى إلى السمعة والشهرة؛ لأنه يفتقد المراقبة الداخلية التي تجعله يؤدي عمله بإتقان في كل الحالات من دون النظر إلى الاعتبارات الأخرى.
وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال: شهدت مع أبي جنازة شهِدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتُهِي بالجنازة إلى القبر، ولم يُمكَّن لها، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سوُّوا لَحْدَ هذا)؛ حتى ظن الناس أنه سُنة، فالتفت إليهم، فقال: (أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره، ولكن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه)؛ (أخرجه البيهقي في الشُّعب، وانظر الصحيحة).
فالمسلم مطالب بالإتقان في أعماله التعبدية والمعاشية؛ إحكامًا وإكمالًا، تجويدًا وإحسانًا؛ قال أحد السلف: "لا يكن همُّ أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكن همه في إحكامه وتحسينه، فإن أحدكم قد يُصلي وهو يعصي الله في صلاته، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه".
فالإتقان هو معيار التميز بين المجتهد والمقصر، فكل الناس يؤدون أعمالهم، ولكن الفارق بينهم يكون في درجة إتقانهم لأعمالهم.
ولأن العبرة ليست في أداء العمل فقط، ولكن في الصفة التي أُدِّي بها العمل.
كيف تدرب نفسك على الإتقان؟
إتقان العمل يأتي بأن يستشعر الإنسان رؤية الله تعالى لعمله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].
كما أن الإخلاص لله تعالى سرٌّ بديع من أسرار الإتقان، وتلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله جبريل عن الإحسان، فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)؛ (رواه مسلم).
فإذا كان الإنسان لا يتقن إلا إذا كان رئيسه في العمل فوق رأسه، فقد مات الضمير ودفن الإخلاص.