قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها: يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر ولم يكلفني إلا ما كلفوا به، فقال عز وجل: " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل".. وإني والله لأصبرن كما صبروا.
فطن النبي صلى الله عليه وسلم لما صبر كما أمر أسفر وجه صبره عن ظفره ونصره، وكذلك الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الذين هم أولو العزم لما صبروا ظفروا وانتصروا.
معتقل بالكوفة:
نقل عن محمد بن الحسن رحمه الله قال: كنت معتقلا بالكوفة، فخرجت يوما من السجن مع بعض الرجال وقد زاد همي وكادت نفسي أن تزهق وضاقت علي الأرض بما رحبت، وإذا برجل عليه آثار العبادة قد أقبل علي ورأى ما أنا فيه من الكآبة فقال: ما حالك؟ فأخبرته القصة.
فقال: الصبر الصبر، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصبر ستر الكروب وعون على الخطوب» .
وروي عن ابن عمه علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: الصبر مطية لا تدبر وسيف لا يكل، وأنا أقول:
ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله .. عند الإله وأنجاه من الجزع
فقلت: بالله عليك زدني، فقد وجدت بك راحة.
فقال: ما يحضرني شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولكني أقول:
أما والذي لا يعلم الغيب غيره .. ومن ليس في كل الأمور له كفو
لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه .. لقد يجتنى من بعده الثمر الحلو
ثم ذهب، فسألت عنه، فما وجدت أحدا يعرفه ولا رآه أحد قبل ذلك في الكوفة، ثم أخرجت في ذلك اليوم من السجن، وقد حصل لي سرور عظيم بما سمعت منه وانتفعت به، ووقع في نفسي أنه من الأبدال الصالحين قيضه الله تعالى لي يوقظني ويؤدبني ويسليني.
ضرب بالسياط:
وكان رجل يضرب بالسياط ويجلد جلدا بليغا، ولم يتكلم ويصبر ولم يتأوه، فوقف عليه بعض مشايخ الطريقة فقال له: أما يؤلمك هذا الضرب الشديد؟
فقال: بلى، قال: لم لا تصيح؟ فقال: إن في هؤلاء القوم الذين وقفوا علي صديقا لي يعتقد في الشجاعة والجلادة وهو يرقبني بعينه، فأخشى إن ضججت يذهب ماء وجهي عنده ويسوء ظنه بي، فأنا أصبر على شدة الضرب وأحتمله لأجل ذلك.