وردت لفظة التقوى بمشتقاتها في القرآن كثيرًا، وهذه الكلمة جامعة لخصال الخير ولذا أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بتحصيلها وأن نكون من المتقين الذين يحبهم الله تعالى ورسوله.
التقوى غاية الغايات:
إن من يتدبر آي القرآن يدرك أن لكل عمل غاية وأن الله تعالى حين يأمرنا بفعل شيء أو ترك شيء فإن ذلك يكون لمصلحة راجحة علمها من علمها وجهلها من جهلها.. ولما كان حديثنا عن التقوى فإننا نجد أن الله تعالى قد حثنا على عبادته وقصر خلقنا على هذه العبادة قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.. ثم هو سبحانه وتعالى يأمرنا بالصيام الذي هو عبادة من العبادات ويبين لنا سبحانه وتعالى في الآية نفسها ان الغاية من الصيام هو تحصيل التقوى وبهذا صارت التقوى هي غاية الغايات فمن يحصلها فقد حصل الخير كله وبلغ مراد الشرع الحكيم.
معنى التقوى:
وردت عدة تعريفات في مدلول التقوى ومنها أن التقوى هي أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وعقابه وقاية، وذلك بفعل المأمورات وترك المحظورات، فكل من فعل ما أمره الله به وانزجر عما نهاه الله عنه فقد اتقى ربه، والناس يتفاوتون في التقوى بحسب التزامهم بذلك، فكلما زاد إيمان الشخص زاد تقواه، وكلما ضعف إيمانه ضعف تقواه، والإيمان يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي.
فقد قال ابن كثير رحمه الله: وأصل التقوى التوقي مما يكره، لأن أصلها وقوى من الوقاية. انتهى
وحقيقة التقوى فعل المأمورات واجتناب المنهيات.
قال طلق بن حبيب: إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى. قالوا: يا أبا علي: وما التقوى؟ قال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك. قال: بلى. قال: فما عملت. قال: شمرت واجتهدت. قال: فذلك التقوى، وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال: خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى، واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى، لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى.
فوائد التقوى:
إن للتقوى فوائد وثمارًا كثيرة في الدنيا والآخرة، ومنها:
- تفريج الكروب وسعة الرزق، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3].
- الفرقان بين الحق والباطل، وتكفير السيئات وغفران الذنوب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29].
- العلم النافع، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282].
- الأجر العظيم، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5].
- الحفظ من كيد الكفار، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120].
- جنات النعيم، قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45].
- النجاة من النار، قال تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [مريم:72].
وغير ذلك كثير لا يتسع المقام لذكره، جعلنا الله وإياكم من المتقين..