بمجرد أن يصل الإنسان إلى سن الأربعينات أو الخمسينات، إلا وتراه يتحدث عن كبر سنه، وكأنه وصل لمرحلة الاعودة، يستسلم للانهيار وكنه ينتظر النهاية، على الرغم من أن الأمر ليس كذلك، فلربما تكون بدايته في هذا السن، بدايته الحقيقية مع الحياة، مع النجاح، مع النضوج، مع الحكمة، ولذلك يقول فضيلة الدكتور مصطفى محمود : «إياك أن تصدق بأنك كبرت في السن .. فما جسدك إلا وعاء توضع فيه روحك.. والروح لاتشيب ولا تشيخ ، والروح من عالم آخر لا تشبه عالمنا بشيء ، ولا يعلمُها إلآ الله» .. وهو ما يؤكده المولى عز وجل في قوله تعالى: « وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ».
الروح والجسد
خذ بنصيحة الدكتور مصطفى محمود، وإياك أن تحبس روحك في إطار جسدك .. حاول أن تحلق في عالم التفاؤل والأمل ، أن تثق بِالله في كل خطوة تخطوها ، وأن تتعمد مساعدة الجميع، وأن تمنح الحب وتزرع الخير في كل مكان .. وهنا توقف قليلا وركز في هذه الجملة: «لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه» كثيراً منا يفهم هذه العبارة خطأ ، إذ لا يشترط أن يكون اللقاء بعد الموت … ففي الدنيا هناك الكثير من اللقاءات، ومنها: لقاء العلم، ولقاء الذكر، ولقاء التفكر والتدبر في الله عز وجل، ولقاء الصلاة، والأخيرة تستطيع إتيانها كل ليلة غير الفرائض المكتوبة.. وأيضًا هناك لقاء الصدقة، ولقاء المناجاة، والأبرز، لقاء قيام الليل وبر الوالدين وقراءة القرآن وصلة الأرحام، وزيارة المريض، والتأدب مع الناس، والتودد إليهم، وكما يقولون (يا بخت من فرج كربة عن الناس)، فهنا أعظم القربات واللقاءات مع الله.
اقرأ أيضا:
شهر الله المحرم.. تعرف على أفضليته وخصوصياته وفضل الصيام فيهاستغلال فرص اللقاء
لذا على كل مسلم أن يستغل الفرص المناسبة للقاء الله عز وجل، وعليه أن يعي جيدًا أن الفرص كثيرة، وكم منا أهملها، ولم يستغلها جيدًا، يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم يوضح ذلك: « فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا ».
وقد روى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: «كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنبيت عنده، تكون له الحاجة، أو يطرقه أمر من الليل، فيبعثنا. فكثر المحتسبون وأهل النوب، فكنا نتحدث، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما هذه النجوى؟ ألم أنهكم عن النجوى)، فقلنا: تبنا إلى الله، أي نبي الله، إنما كنا في ذكر المسيح، وفَرِقنا منه -أي: خفنا-، فقال: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي؟)، قلنا: بلى. قال: (الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يصلي لمكان الرجل».