يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم على لسان نبي الله يعقوب عليه السلام: «وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ» (يوسف: 87)، فما المقصود بروح الله؟.. هل تعني الله بذاته العليا؟.. ام روحه التى نفخها بآدم وذريته، فمن المعروف أن الروح بداخلنا من خلق الله وليست جزءًا من الله حاشا لله عن ذلك، فلماذا لا نيأس من روح الله، وليس من الله سبحانه وتعالى؟.. وما صلة ذلك بالإيمان والكفر؟.. سؤال هام جدًا، والإجابة عليه بسيطة أيضًا جدًا.
فالروح هنا من الترويح والفرج والرحمة، والروح أيضًا هي من السر الذي ينفخ فينا فيكون سر حياتنا، ولكن المعنى المقصود في الآية الكريمة هو المعنى الأول.
لا لليأس
والمقصود الأهم من معنى الآية الكريمة، هو أنه ليس لنا أن نيأس أبدًا، حتى لو كان مخلوق، فنحن لا نيأس من مخلوق باعتبار تعلقه ومدده من الله الذي لا ينقطع: «وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا»، والعطاء نفسه مخلوق لكنه لما تعلق بالله صار ممتدا كحياتنا مخلوقة لكنها ممتدة ممدودة من الله لا تنتهي فنحن لسنا في يأس من امتداد حياتنا الأبدية بدون انقطاع لأنها ممدودة من الله فهي باقية بالباقي سبحانه وتعالى.. وكذلك روح الله فهي لاشك من العطاء والرحمة الإلهية التي لا تنقطع أبدًا لا دنيا ولا أخرة لأنها ممدودة منه سبحانه وتعالى.
أما ما علاقة ذلك بالكفر والإيمان فهو أن أهل الكفر لا يعرفون الأبدية والديمومة للأشياء لاعتقادهم أن حياتنا لها نهاية وأن ما ذهب لا يعود فكفروا أي حجبوا عن هذه الحقيقة وهي حقيقة الأبدية والمدد الدائم ، لأن المؤمنين لهم فى الله رجاء لا ينقطع بالعطاء فى الدنيا والآخرة.
بضاعة المفلس
فاليأس بضاعة المفلس والعياذ بالله، فكيف يتمكن اليأس أو الإحباط من النفس، وهي تعلم أن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى، قال تعالى: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» (الحديد: 22، 23)، ولهذا ترى القرآن الكريم يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل دائمًا، قال تعالى: «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» (الزمر:53).