«الضرورات تبيح المحظورات»، قاعدة شرعية، يلجأ إليها كثير من الناس لتبرير أفعالهم، فمتى يكون بالفعل يحق استخدامها؟، بداية يجب أن نعلم أن قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» من القواعد المتفق عليها لدى العديد من العلماء، وهي أن يفعل المرء أمرًا محرمًا، إلا أنه اضطر إليه فوقع فيه، وهنا قد توقع عليه القاعدة ولا يقع تحت طائلة إتيان ما حرم الله، ولكن هذه الأمور مؤكد يحدها حدود، وليست على عواهنها في المطلق.
العلماء الذين أيدوا هذه المقولة، دللوا على ذلك بقول الله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (البقرة:173)، وأيضًا قوله تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (المائدة: (3)، بينما البعض الآخر دعا لضرورة الإقلال من الوقوع فيها حتى لا تصبح عادة.
أكل الميتة
في السنة بعض المواقف التي تؤيد هذه القاعدة، ومنها، ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه: أن رجلًا نزل الحرة ومعه أهله وولده، فقال رجل: إن ناقة لي ضلت، فإن وجدتَها فأمسكها، فوجدها، فلم يجد صاحبها، فمرضت، فقالت امرأته: انحرها، فأبى، فَنَفقَت، فقالت: اسلخها؛ حتى نقدّد شحمها ولحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه فسأله، فقال: «هل عندك غنى يغنيك؟» قال: لا. قال: «فكلوها». قال: فجاء صاحبها، فأخبره الخبر. فقال: هلا كنت نحرتها؟ قال: استحييت منك.
وما يعرف من أصول الدين أن الله حرم أكل الميتة، قال تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ»، أيضًا من ثبوت استغلال القاعدة، إذا لم يجد رجلا ماء للوضوء وكان على جنابة وفي مكان لا يمكن له الوصول إلى ماء، فمن الممكن أن يتيمم صعيدًا طيبًا، وهو ما استدل عليه بالعلماء بقوله تعالى: «وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا» ( النساء 43).
اقرأ أيضا:
شهر الله المحرم.. تعرف على أفضليته وخصوصياته وفضل الصيام فيهالتيسير
المقصود من القاعدة، إنما هو التيسير على الناس، فمن غير المعقول أن يكون هناك رجلا ما جائعًا وليس أمامه سوى الميتة، ولا يأكل، فطالما أنه اضطرار ليس عليه حرج، قال تعالى يؤكد ذلك: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» (الأنعام 119)، وهو ما أكده في قوله تعالى أيضًا: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (الأنعام 145).