كثير منا إن لم يكن جميعنا، يقدم المشيئة على أي فعل مقدم عليه، ومن ثم قد لا ينفذ وعده، فهل حينها يكون كاذبًا؟.. بالتأكيد لا، لأنه طالما قدم المشيئة فإن الله بات في يد الله عز وجل بالكلية، فإذا نفذ فيكون بأمر الله، وإلا فإنه الله لم يرد سبحانه له الأمر، وذلك لأن معنى جملة إن شاء الله، هو تعليق أي أمر يريد المسلم فعله في المستقبل على مشيئة الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: «وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا* إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ » (الكهف:23-24)، فمعنى التعليق على مشيئة الله تعالى أنه لا يكون شيء في هذا الكون إلا بمشيئته وقدرته وإرادته ؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن أبدًا، ولهذا يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً » (الفتح27).
عظِم المشيئة
للمشيئة عظيم الأجر والعمل، لأنك باختصار تربط كل شيء في حياتك بإرادة الله عز وجل، بينما العكس كأنك وليعاذ بالله ترفض هذه المشيئة، وكأنك تعيش على ما تريده بعيدًا عن سلطة وإرادة الله، وهي أمور لا يمكن أن تحدث على الإطلاق، فليس هناك مهما كان أي شيء يسير في الكون بعيدًا عن قدر الله عز وجل، لذلك حينما أمر نبي الله إبراهيم ابنه إسماعيل عليه السلام، بأن يذبحه كانت الإجابة بـ(إن شاء الله)، قال تعالى: «{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ » ( الصافات102). لذا على كل امريء مؤمن أن يسبق كل شيء بمشيئة الله موقنًا فيها ومؤمنًا بها جل الإيمان.
اقرأ أيضا:
سلامة الصدر.. خلق الأنبياء وصفة أهل الجنة وسمت الصالحينأهمية المشيئة
هناك في الأحاديث النبوية والآيات القرآنية العديد من المواقف التي تعلمنا ضرورة وأهمية المشيئة، ومن ذلك: عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأةً، كلهن تأتي بفارسٍ يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقُلْ: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعًا، فلم يحمل منهن إلا امرأةٌ واحدةٌ، جاءت بشق رجلٍ، وايم الذي نفس محمدٍ بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون».
كما عاتب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذي القرنين: غدًا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثن في ذلك، فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يومًا، حتى شق ذلك عليه، فنزلت عليه هذه الآية الكريمة: «وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا » (الكهف: 23، 24).