احذر: ترك هذا الفرض يستوجب عذاب الله فورًا ويحبط الدعاء
بقلم |
أنس محمد |
الجمعة 27 سبتمبر 2024 - 11:47 ص
جعل الله عز وجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين على كل مسلم، وجعل الخيرية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بسبب هذا الفرض وهذه السنة الكونية التي تعد سببا من أسباب بقائه كما كشف ذلك ربناعز وجل فقال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (سورة آل عمران: 110).
وكما جعل الله في هذا الفرض النجاة، جعل في تركه العقاب بشكل فوري دون غيره، فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
وجعل الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الأسس التي يبنى عليها الدين ارتضاه الله لعباده منذ خلقهم، وهو أصل أصيل فيه، بدونه لا يكون هناك للناس دين.
وبيان ذلك أن الدين يقوم على أربعة أسس رئيسة، هي: العقيدة الصحيحة التي تبنى على التوحيد الخالص، والعمل الصالح بوصفه ، والخلق الحسن والسلوك النبيل.
والأمر بالمعروف هو النصح بكل ما ينفع البشرية من خير ويصلح أحوالهم ونص عليه الله في كتابه أو في سنن أنبيائه، والنهي عن المنكر هو النهي عن كل ما يدمر البشر ويقطع الشجر، وفي نهي عنه في الكتاب والسنة أيضا.
وعلى ذلك يكون معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – دعوة الناس إلى امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه، بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار البناء والحجج المقنعة.
وهذا هو ما يشير إليه قوله تعالى في سورة يوسف { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (آية: 108).
فسبيل الله: أوامره ونواهيه، والدعوة إليه: هي بعينها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبصيرة: هي الحجة المقنعة البالغة، التي تقوم على تشخيص الداء ووصف الدواء، والتسبيح: هو التوحيد الخالص، الذي ينبغي أن تقوم عليه الدعوة إلى سبيل الله عز وجل.
كيف نأمر بالمعروف؟
وقد بين الله معنى البصيرة في قوله جل وعلا في سورة النحل: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (آية: 125).
والحكمة: هي وضع الشيء في موضعه، بحيث يكون الداعية إلى الله على وعي تام بوسائل النجاح في دعوته، بأن يتخير الوقت المناسب للدعوة والمكان المناسب والكلام المناسب، إلى آخر ما هنالك من الظروف والأحوال والملابسات.
والموعظة الحسنة: هي القول البليغ، الذي يسد مسده ويصيب موضعه، ويحرك في النفوس دواعي الخشوع والامتثال والطاعة، ويهز القلوب من أعماقها فيذيب ما بها من شدة وقساوة.
والجدال بالتي هي أحسن: هو الذي يوصل إلى معرفة الحق من أيسر طريق مأمون العواقب، يخلو من الخصومة، والكبر، والعجب، والرياء، والغرور، وجرح المشاعر والخدش في الأعراض، وغير ذلك مما يتنافى مع الحلم والمروءة.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ": قسم مؤكد لما بعده من الوعيد والتهديد لكل من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان كثيراً ما يقسم به في الأمور ذات الشأ، والخطر.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ": صيغة من صيغ الحض والتحريض، وهي أبلغ من قوله: أفعلوا كذا وكذا.
فالأمي يعرف بالفطرة ما يحل وما يحرم، وما يجب وما لا يجب، ويعرف بالضرورة أن هذا الفعل طيب وذاك الفعل خبيث، ويعرف ما يوافق العرف وما يخالفه، يعرف أن هذا الشيء عيب لا ينبغي أن يؤتي، وهذا الشيء ينبغي عرفاً أن يؤتي، فيأمر بالمعروف متى عرفه، وينهى عن المنكر متى أبصره.
وقد ضرب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنا مثلاً من علماء بني إسرائيل والمتظاهرين بالصلاح منهم فقال: "إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنْ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ".
و يقول الله عز وجل: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (سورة الأنفال: 25).
و قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كَلَّا، وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا - أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ".
ولقد أوصى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بوصية عظيمة، وينبغي علينا أن نفقه معانيها ومراميها وتضعها في هذا الزمان موضع الاعتبار.
فقد روى الترمذي، وأبو داود، عن أبي أمامة الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ }؟