تميزت الأمة الإسلامية بالعديد من الميزات، فهي أمة جامعة خاتمة تحمل الخير للناس جميعا وأفرادها متعاونون يساعد الصغير الكبير ويحترمه، ويرحم الكبير الصغير ويحتمله.. وبهذا يعيش الود والطف بين أفرادها .
ولما كان الخطأ والصواب من الأمور الثابتة والواردة في اتعامل بين الناس كان من حق الأمة أن تقوم المعوج وتشجع المصيب ومن هنا كان تشريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الثوابت التي تحفظ للأمة كيانها وبقاءها.
ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:على أنه ينبغي أن يعلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له ضوابط حاكمة لا ينبغي تعديها وإلا ترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشياء كثيرة ضررها أكثر من نفعها، ومن الضوابط الحاكمة لهذا التشريع كما يقال العلماء ما يلي:
- نية من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
والنية شرط أساسي قبل الشروع في العبادات وإلا حرم صاحبها الثواب فمن يرى منكرا يفعل أو معروفا لا يفعل يستحضر نيته في بيان الأمر أنه لم يرد من وراء ذلك إلا بيان الحق وتقويم المعوج رغبة في الثواب والرقي بالأم وأفرادها.
-أن يون عالما بما يقول: أيضا من يتعرض لبيان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون على علم بالحكم الشرعي فيما يأمر به أو فيما ينهى عنه، ولا يصح منه الكلام وفق الظن أو التقدير.
-الحكمة في بيان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-وهذه الحكمة تعني أنك تعرف ما تقول في الوقت المناسب كما تعني أيضا أن تقدم الأولى فالأولى مثلا يبدأ بالأمر بالواجبات قبل السنن وأنْ يَنهى عن المحرمات قبل المكروهات وتعني أيضا اختيار المكان والزمان المناسبين واختيار الكلمات الجميلة، -ومن الحكمة التي ينبغي أن يتحلى بها من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معرفة حال يأمره وينهاه فاختلال معرفة أحوال من نأمره بمعروف أو ننهاه عن منكر قد يتسبب في الخطأ أو الحرج أو الوقوع في منكر آخر، كما لا يصح ولا ينبغي لمن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنْ يتتبع عورات الناس ويكشف أستارهم ولا يبحث عما لم يظهر منهم.
-ومن الضابط الحاكمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألا يرتب على هذا النهي على المنكر منكر أكبر منه وهذا الضابط مستوحى من أدلة ثابتة في الشرع منها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لعائشة: « يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ».
كما أن من الضوابط الحاكمة ألا يترتب على يترتب على الأمر بالمعروف ترك معروفا آخر أولى وهذا من الحكمة أيضا ويكون ذلك فيما يقوم به الناس من أمور مختلطة فيها معروف وفيها منكر فلو تيقنت أنك لو نهيتهم عن المنكر تركوا المعروف تنهي عن ذلك وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما بل إما أن يفعلوهما جميعاً أو يتركوهما جميعاً، لم يجزْ أنْ يؤمروا بمعروف ولا أنْ ينهوا عن منكر بل يُنظر، فإنْ كان المعروف أكثر أَمَرَ به، وإنْ استلزم ما هو دونه من المنكر، ولم يَنْهَ عن منكرٍ يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النَّهي حينئذ من باب الصَّدِ عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات، وإنْ كان المنكر أغلب نهى عنه وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرٌ بمنكرٍ وسعيٍ في معصية الله ورسوله وإنْ تكافأ المعروف والمنكر (المتلازمان) لم يؤمر بهما ولم يَنْهَ عنهما".
ومن المقرر شرعا أن ما اختلف فيه العلماء خلافا معتبرا فيحسن في هذا الخروج من الخلاف وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الحق واحد لا يتعدد والمخطئ غير متعيّن لنا ولا يمكن الجزم بالصواب مطلقا، والإثم مرفوع عن المجتهد وعمّن يتابعه ويقلده، لكن لا يمنع ذلك من مناقشة المخالف بالأدلة.