فجر انتحار شاب مصري، صدمة واسعة بين رواد منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن ترك رسالة عبر موقع "فيس بوك" يكشف فيها عن أن قسوة والده معه كانت هي الدافع لانتحاره.
وفي تفاصيل الواقعة، أقدم الشاب إبراهيم شريف (17 عامًا) على الانتحار غرقًا في النيل، بالقفز من أعلى كوبري فارسكور بدمياط، هربًا من معاملة والده القاسية، كما جاء في رسالة نشرها قبيل انتحاره.
وعزا إبراهيم في رسالته إقدامه على الانتحار إلى أن والده يسيئ معاملته، موجها رسالتين إلى الآباء بحسن معاملة أبنائهم، وأخرى لأعمامه، يوصيهم بحسن معاملة والدته وأخواته، ورابعة إلى ما أسماها "حبيبته"، مختتمًا منشوره بالدعاء لوالده بالهداية.
وقبل انتحاره، ترك الشاب الذي يعمل مصفف شعر، بحسب أبناء القرية، ورقة أحرى دون فيها اسمه، ومحل إقامته، بالإضافة إلى هاتفه المحمول لأشخاص كانوا يقفون أعلى الكوبري، ورآه أحد الصيادين وهو يقفز في الماء، وأبلغ الشرطة.
اظهار أخبار متعلقة
وفي الواقع لا تعد هذه الواقعة الأولى من نوعها التي يقدم فيها شاب على الانتحار احتجاجًا على قسوة أحد الوالدين أو كلاهما معه، بل تعددت حالات الانتحار للأسباب ذاتها خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من اختلاف التفاصيل، لكن تبقى الدوافع واحدة، والنهاية مأساوية في كل الأحوال.
بداية يجب أن نعلم أن الأبناء ليسوا هم فقط المأمورين بالبر بالآباء وإحسان المعاملة إليهم، بل كذلك الآباء مأمورين بأن يحسنوا إلى أبنائهم، وألا يفرطوا في معاقبتهم، والإساءة إليهم على الدوام، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناسِ راع، وهو مسؤلول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم".
فالله تعالى جعل الأبناء أمانة في أعناق آبائهم، وحق على من اؤتمن أن يؤدي الأمانة بلا إفراط فيها أو تفريط. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مامن عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول".
والرحمة بالأبناء والترفق بهم والعطف عليهم ليس من قبيل التدليل أو الترفيه المبالغ فيه، وإنما هو سلوك إسلامي بامتياز، وجب على كل مسلم أن ينتهجه في تربية ومعاملة الأبناء، ولا عذر لمن يفرط في ذلك، أو يبرر معاملته القاسية للأبناء.
النبي القدوة
فالنبي وهو أكثر الناس همًا، لم يغب عنه الرفق في أي شيء كبر أم صغر، بل كان يقول صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"، وعن جرير بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "من يحرم الرفق يحرم الخير".
وقد كان على كثرة انشغالاته أرحم الناس بالناس وخصوصًا الأطفال الصغار، وكان يقبل حفيديه الحسن والحسين ابني السيدة فاطمة والإمام علي بن أبي طالب، ويحسن إليهما، فعن أبي هريرة قال: قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: من لا يَرحم لا يُرحم".
بل بلغ من رفقه صلى الله عليه وسلم، أنه واسى طفلاً صغيرًا مات عصفوره، فقد كان لأنس بن مالك أخ صغير من أمه هو زايد بن سهيل، وكان النبي يلاعبهما معًا، وإذا مر ببيتهما كان يسأل عن الصبي الذي كناه "أبا عمير"، وكان له طائر صغير يشبه العصفور، ويداعبه قائلاً: يا أبا عمير ماذا فعل النغير؟"، فتبسم الطفل الصغير.
فلما مر النبي بمنزله بعد أيام، وسأل أنس عن أحواله، وعن أخيه، أجابه أن عصفور أبي عمير قد مات، وأنه حزين جدًا لموت الطائر، فأقبل مسرعًا إلى الصبي الصغير، وأخذ يواسيه ويخفف حزنه، حتى رمى الطفل بنفسه في حضن النبي وهو يبكي ويقول: "لقد مات النغير .. لقد مات". وأخذ النبي يواسيه ويلاعبه، حتى أخرجه من حالة الحزن، وتبسم وفرح لكلام رسول الله معه.
وهذا كله يدعونا لأن نقتدي بهديه صلى الله عليه وسلم في معاملة الأبناء، والأخذ بكل الأسباب التي تعين على تنشئة الأبناء تنشئة صالحة، خالية مما يفسد عليهم حياتهم، ويعكر عليهم صفوهم، وليس هذا مدعاة للتدليل أو "الدلع" الزائد كما يظن البعض.
فالعلامة الراحل الشيخ محمد الشعراوي يقول موصيًا الآباء: "يطلب منك الإسلام أن تربي ولدك سبعًا، وأن تؤدبه سبعًا، وأن تصاحبه سبعًا، فأما عن سبعة التربية؛ ففيها تربي جسمه وتربي عقله، وإن أخطأ تصوب له خطأه، برحمة ورفق. ثم تأتي سبعة التأديب؛ ففيها الضرب وتصحيح الأخطاء، وبعد ذلك تأتي السبعة المُخيفة؛ أي من سن 14 سنة، فاجعله صاحبًا لك تعتني به دائمًا معك في تحركاتك، تحت إشرافك، فإذا تجاوز الولد سن الحادية والعشرين كنت مطمئنًا له".