لا يخلو مسلم من أن يقع في معصية وشر المعاصي الظلم ففي الحديث الظلم ظلمات يوم القيامة.. ولذا حذر الله من الوقوع فيه وتوعد الظالمين بأشد العقوبات في الدنيا والآخرة.
الظلم في القرآن:
ومن يتتبع مادة الظلم في القرآن يجدها كثيرة جدًا ومنها قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً}.
صور الظلم:
وللظلم صور كثيرة منها لعل أسوأها أن يظلم الإنسان نفسه وظلم الإنسان نفسه بأن يفعل المعاصي ويستهين بأمر الله ونهيه ومن ثم يعرض نفسه للعقاب بسبب ظلمه لنفسه لمنه ومع هذا إن تاب من أي ظلم كان تاب الله عليه، قال تعالى:{وَالَّذِينَ إذا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أو ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135]، وظلم الإنسان لنفسه يدخل فيه كل ذنب كبير أو صغير مع الإطلاق وقال تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فهذا ظلم لنفسه مقرون بغيره فلا يدخل فيه الشرك الأكبر وفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه لما أنزلت هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]. شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا " أينا لم يظلم نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم".
ظلم النفس كيف يكون؟
واعظم صور الظلم أن يشرك الإنسان بربه، قال تعالى: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ"، قال ابن تيمية: (ومما ينبغي أن يُعلم أنَّ كثيرًا من الناس لا يعلمون كون الشرك من الظلم، وأنَّه لا ظلم إلا ظلم الحكام أو ظلم العبد نفسه، وإن علموا ذلك من جهة الاتباع، والتقليد للكتاب، والسنة، والإجماع، لم يفهموا وجه ذلك.
ومن الظلم مجاوزة الحقوق والاعتداء على حقوق الله وانتهاكها: "تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"، قال ابن جرير: (تلك معالم فصوله، بين ما أحل لكم، وما حرم عليكم أيها الناس، قلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال، إلى ما حرم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته، ومن الظلم الصد عن المساجد قال تعالى: "مَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، ومنه كتم الشهادة إن طلبت إليها قال تعالى: "أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" ، والكذب على الله من أقبح صور الظلم قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، هذا ومن ظلم النفس ما يقع فيه البعض من الغيبة، والنميمة، والسباب والشتم، والاحتقار، والتنابز بالألقاب، والسخرية، والاستهزاء، والقذف، والبهتان وافتراء وغير ذلك مما لا يحمد من الأقوال.