جعل الله عز وجل حق الضيف وإكرامه من شروط الإيمان، واشتهر العرب على مر العصور بكرم الضيافة، حتى أصبح إحدى شيمهم، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري ومسلم أنه قال : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيُكْرِم ضَيْفه” .
ومن إكرام الضيف تقديم أحلى الطعام له، والإيواء في مسكن مناسب، فقد جاء في كتاب “غذاء الألباب” للسفاريني ، أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ أول مَن بني دار الضيافة وجعل فيها كِسوة الشِّتاء والصيف ومائدة مَنصوبة عليها الطعام .
وقال السفاريني: ضيافة المسلم المسافر المجتاز واجبة على المسلم النازل به في القرَى والأمصار مجَّانًا يومًا وليلة ، وذلك قدْر كِفَايته ، وللضيف حق المطالبة بذلك إذا امتنع عنها ، وقال: تُسن ثلاثة أيام".
وإذا كانت صلة الرحم مطلوبة فهي في نِطاق الوُسْع ، فلا يُكلف الله نفسًا إلا وُسْعها ، ونَنصح الضيوف والأقارب عند زيارتهم لأصدقائهم أو أقاربهم أن يُراعوا ظروفهم ، وبخاصة في البيوت الضيِّقة فلا يُطيلوا الإقامة عندهم .
كرم العرب ومدح الإسلام
وإذا كان العرب على مدى تاريخهم أهل كرم وعزة، فقد جاء الإسلام ليعزز هذه المكانة وليؤكد أن إكرام الضيف أحد دلائل إيمان المسلم بربه، الأمر الذي شدد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) وفي هذا الحديث جمع عليه الصلاة والسلام بين إكرام الضيف وصلة الرحم والقول الطيب الحسن ثم ربطها جميعا بالإيمان بالله واليوم الآخر.
حق الضيف على المضيف
للضيافة أصول وآداب يجب أن تراعى حتى يشعر الضيف فعلا بأنه موضع ترحيب وتقدير من أهل المنزل، فالاستقبال والترحيب وبشاشة الوجه عند دخول الضيف هي أول ما يجب عمله، لان ذلك من شأنه أن يدخل على قلبه السرور بغض النظر عما قدمت له من طعام وشراب، وهذا هو المعنى الذي قصده صلى الله عليه وسلم حينما قال (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم).
ومن واجبات إكرام الضيف أن يجلس إليه صاحب المنزل ولا يتركه بمفرده إلا للضرورة، وان يبدأ بالتحدث إليه ومؤانسته ثم يقدم له من الطعام والشراب قدر استطاعته، على ألا يبخل بما لديه من طيبات، وعند الجلوس لتناول الطعام يجب أن يفسح المجال للضيف أولا ويبدأ صاحب المنزل في تقريب الطعام والشراب منه، ذلك لان الضيف، ومهما كانت درجة قربه من المضيف، يستحي من أن يمد يده إلى صنوف الطعام دون أن تقرب إليه.
وفي بعض الأوقات يقدم الطعام والشراب ولا يقرب إلى الضيف، وقد يكون المضيف مشغولا بأمر ما أو مندمجاً في الحديث دون أن يلتفت لهذا الأمر المهم.
ومن آداب الضيافة أيضا أن ينتظر صاحب البيت ضيفه حتى ينتهي من طعامه ولا يرفع يده عن الطعام قبل أن يرفعها ضيفه، وحتى وإن شبع فمن الواجب أن يتظاهر بغير ذلك إلى أن يشبع ضيفه أيضا حتى لا يعرضه للحرج والتوقف عن الطعام وهو مازال جائعا.
اظهار أخبار متعلقة
الكرم في القرآن
قال الله عز وجل عن كرم الضيافة في سورة الذاريات: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين، فقربه إليهم قال ألا تأكلون) .
وفي الآيات يعلمنا سبحانه وتعالى مجموعة من الآداب التي يجب اتباعها عند دخول الضيف يأتي في مقدمتها حسن الاستقبال والترحيب ثم الإسراع بإعداد الطعام وعدم استئذان الضيف في ذلك لأنه بالطبع سيرفض حرجاً وخجلاً، ثم دعوة الضيف إلى الطعام وتقريبه إليه.
حق المضيف على الضيف
كما أن هناك حقوقاً للضيف فإن عليه أيضا واجبات من الأجدى به مراعاتها امتناناً لحسن الضيافة، فيجب عليه انتظار الإذن بالدخول والجلوس في المكان الذي يحدده صاحب المنزل، وبعد الانتهاء من تناول الطعام وجب على الضيف شكر مضيفه والدعوة له، والأفضل أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كلما تناول طعاماً عند قوم يردد: (طعم عندكم الصائمون وأكل معكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة الأخيار).
أيضا فإن مراعاة حرمة البيت أمر واجب على الضيف، فلا يجب أن يسمح لنفسه باختلاس النظرات في أنحاء المنزل أو الدخول إلى أماكن غير مكان الضيافة ما لم يأذن له صاحب المنزل بذلك، وعليه أيضا ألا يثقل على أهل البيت بالبقاء أكثر مما يقتضي العرف حتى لا يمل أحد من وجوده، وهو ما ينبه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: لا يحل لمسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه، قالوا يا رسول الله وكيف يؤثمه؟ قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به.