يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي:
إن القرآن حين يقرأ من أي قارئ يجب أن يتصور المؤمن أنه يسمع الله يتكلم، ويلغي المتكلم الواسطة.
ولذلك قلنا إن سيدنا جعفر الصادق كان يقول: عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قول الله سبحانه "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"، الشاهد فى هذا قوله فيما بعد: فإني سمعت الله عقبها يقول "فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ".
مع إنه كان يسمع من قارئ، أو يقرأ هو، ولكن انظروا إلى شدة صفائيته في استقبال كلام ربه في أن الله يتكلم "فإني سمعت الله عقبها يقول: "فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ".
إذن فقد أعطى سيدنا جعفر وصفة للخوف الذى يعترى الإنسان، لأن كل ما يخيفك دون قوة الله، وما دام كل ما يخيفك دون قوة الله، وما دام كل ما يخفيك دون قوة الله، فأنت قلت حسبنا الله ونعم الوكيل فى مواجهة ما يخيفني.
"وعجبت لمن اغتم"، والغم شيء غير الخوف، الخوف هو قلق النفس من شيء تعلم مصدره، لكن الغم هو كآبة النفس من أمر لا تعلم مصدره، فهو عملية معقدة نفسية. "وعجبت لمن اغتم، ولم يفزع إلى قول الله سبحانه وتعالى "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" فإنى سمعت الله بعقبها يقول “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ” وتلك ليست خصوصية له بل "وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ".
وعجبت لمن مكر به -أي كاد الناس له، والإنسان لا يقوى على مواجهة كيد الناس وائتمارهم فيفزع إلى رب الناس- ولم يفزع إلى قول الله تعالى “وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ”، فإنى سمعت الله بعقبها يقول “فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا”.
وعجبت لمن طلب الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قول الله “مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه”، فإني سمعت الله بعقبها يقول “إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ”.
هذه وصفات أربعة لما يعترى النفس الإنسانية من أشياء قد تفسد عليها حياتها وتكدر عليها صفاءها.
اقرأ أيضا:
دعاء طلب الرزق من السنة النبوية