لا يختلف اثنان على أن الدنيا دار شقاء ولكن هل من الممكن أن يجد الإنسان السعادة رغم ذلك، وما هو تعريف السعادة، وهل هي في المال أم في الصحة أم في كثرة النساء والأولاد ومتاع الدنيا، أم أن هناك معايير أخرى للسعادة تدور بين الرضا والسلام النفسي، خاصة وأن هناك من الأغنياء لا يرضى بماله وكثرة ماعنده، فإذا سألته عن سر تعاسته على الرغم من أمواله الطائلة وقوة بدنه ووفرة صحته ومتاع الدنيا الذي يستمتع به، لا يعرف الإجابة.
ماهي السعادة؟
تأتي السعادة الحقيقية بناءً على ما يقتنع به الإنسان في يديه، فرب امرئ يملك من الدنيا ما يملك ولا يرضى بما يمتلكه، ورب أخر لا يأخذ من خطام الدنيا شيئا ومع ذلك تجده أسعد الناس.
فالسعادة تأتي بين الرضا واللذة بالإضافة إلى الشعور بالمتعة والراحة، فتعريفها هي الحالة النفسية التي تتخللها الراحة ولذة الجسد.
ولكن تحقيق السعادة تختلف من شخص لآخر، وتُعرف أيضاً بأنها هي الراحة التي تسكن القلب والهدوء والسكينة التي تمسه، وهي راحة الروح والتآلف والسرور.
كيف تحصل على السعادة ؟ وماهي قواعدها؟
إذا اعتبرت أن السعادة في وفرة المال والصحة، فقد يأتي المال والولد ولكن مع ذلك لا تتحقق السعادة، فقد يكون كثرة المال سببا لفساد الولد، كما ان المال والصحة حتما زائلين، ولكن السعادة في راحة الباب والبركة، فكيف تحصل البركة؟.
تأتي البركة بالصبر والتسبيح بحمد الله عز وجل، والتحلي بصفة الرضا حيث أنها أعلى درجات السعادة، فإن رضيت بما حققت وبما رزقك الله به أو بما ابتليت به تكون قد حصلت على السعادة، فالرضا هي التي توصل الإنسان إلى السعادة، ولكن كيف يعرف الإنسان أنه حقق الرضا؟.
يقول يحيى بن معاذ في هذا الأمر بأنه يجب أن تقول لربك سبحانه وتعالى: “يارب إن أعطيتني قبلت وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت وإن دعوتني أجبت”.
كما تأتي السعادة بحب الناس، وأن تشعر أنك محل ترحيب من الناس كلما نزلت عند أحد منهم، نتيجة ماتفعله من معروف معهم، فكم صاحب مال ظالم لا يقبله أحد من أهله وعماله، كما أن العفو عن الناس فهي صفة تكسب الإنسان وتولد عنده مشاعر الحب والألفة، بالإضافة إلى شعوره بالأمر بالمعروف.
التمسك بالقرآن الكريم
وأكثر ما يوجد السعادة، التزام القرآن الكريم، وعدم هجره أو الإعراض عنه، حيث أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم لنسعد لا لنشقى، وقد ورد في القرآن الكريم أن سبب الشقاء والشعور بالضنك هو الإعراض عنه وهجره.
مفاتيح السعادة في الدنيا والآخرة
و من مفاتيح السعادة التي تكون في الدنيا وتعمل على تأمين النفس في الآخرة يوم الحساب هي:
الإيمان بمعية الله وهو ميسر كل أمورك، إذن أنت سعيد، فقد قال تعالى عز وجل: “إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”.
ذكر الله سبحانه وتعالى حيث أن ذكره يشعر الإنسان بأنه في كنف الله عز وجل فيشعر بالسعادة والطمأنينة.
عدم الاختلاط بالناس إلا عند الحاجة، بالإضافة إلى مداراة الناس والتحلي بصفة العفو والغفران عن أخطائهم.
العمل الصالح فهو له أثر كبير في الشعور بالسعادة بالدنيا، وله أجر كبير في الآخرة مثل الصدقة وبر الوالدين بالإضافة إلى صلة الرحم.
الابتعاد عن الغضب، فهي صفة تشعر بالضنك.
أحسن الظن بالله سبحانه وتعالى.
الدعاء إن للدعاء أثر كبير في السعادة، فهو يشعر المسلم بتقربه من الله، وإن الإلحاح بالدعاء يغير الأقدار بإذن الله.
حسن التوكل على الله.
اظهار أخبار متعلقة
السعادة في السنة النبوية الشريفة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال بن رباح مؤذن الرسول “أرحنا بها يا بلال”، وكان يشير إلى الصلاة فهي مصدر السعادة والراحة، حيث أنه كان رسولنا الكريم يطلب من بلال أن يرفع الأذان في موعد الصلاة، حيث أنها تجلب السكينة والخشوع، ففي أدائها يتجلى الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى ومناجاته، ولهذا فإن الفرح والسرور يدخل إلى النفس.
ونجد أن في السنة النبوية الشريفة تتعدد أسباب السعادة بين الرضا بالمقسوم، والقناعة برزق الله جل وعلا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” أرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس” ويقول صلى الله عليه وسلم : “من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا”.
وقد حث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على عدم النظر إلى صاحب المال حتى لا تحزن النفس وتنكسر، وقد دعا الناس لأن تنظر إلى الأدنى منها، فقال عليه الصلاة والسلام: ““إذا نظر أحدُكم إلى مَنْ فُضِّلَ عليه في المال والخَلْقِ فلْينْظُرْ إلى مَنْ هـو أسفل منه، فذلك أجدرُ أن لا تزدروا نعمةَ الله عليكم”.
السعادة في القرآن
قال الله تعالى في سورة آل عمران: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}.
قال الله تعالى في سورة طه آية 2: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ}.
قال الله تعالى في سورة يونس آية 58: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
قال الله تعالى في سورة الضحى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
قال الله تعالى في سورة طه آية 130: {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ}.
وقال تعالى في سورة هود آية 105: “يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ”.
قال تعالى في سورة هود آية 108: “وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ”.
دعاء السعادة
الدعاء يشرح الصدور ويُشعر بالسعادة، وإن من الأدعية التي تقوم على جلب السعادة هي “لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”، وإن هذا الدعاء يتكون من ثلاثة بنود تتجلى في:
لا إله إلا أنت وهو أن يعترف الإنسان بوحدانية الله سبحانه وتعالى، حيث أن الإيمان والتوحيد هو طريق السعادة.
سبحانك أي تنزيه الله سبحانه وتعالى من كل عيب، فهو عز وجل له صفة الكمال.
إني كنت من الظالمين والمقصود هنا الاعتراف بالذنب، بالإضافة إلى التوبة والإقرار بهذا الذنب.