الصحابي الجليل أبو الدرداء الأنصاري، كان هذا لقبه أم اسمه فقد اختلف فيه المؤرخون فمنهم من سماه عويمر بن عامر وعويمر بن زيد وهو فقيه وقاض وقارئ قرآن وأحد رواة الحديث النبوي، وهو من الأنصار من بني كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. أسلم متأخرًا يوم بدر، ودافع عن النبي يوم أحد، وشهد ما بعد ذلك من المشاهد، وكان من المجتهدين في التعبد وقراءة القرآن. رحل إلى الشام بعد فتحها ليُعلّم الناس القرآن، وليُفقّههم في دينهم، وتولى قضاء دمشق.
الصحابي الجليل كان هو أخر رجلًا أعلن إسلامه من الأنصار ، وكان هذا في أثناء غزوة بدر ، وعرف عنه أنه كان كثير الزهد وشغوفًا بحب التعلم والمعرفة لكل ما هو في الدين الإسلامي ، كان قاضيًا وقارئ للقرآن وفقيهًا .
قصة إسلام الصحابي الجليل كانت مثيرة حيث كان يجلس وإذ بالصحابيين الجليليين عبدالله بن رواحة ومحمد بن مسلمة رضيا الله عنهما يدخلان عليه فشاهدا عنده صنم فكسروه إلى قطع صغيرة ، فبدأ أبو الدرداء يجمع القطع الصغيرة هذه وهو يردد : ويحك ، هلا امتنعت ألا دافعت عن نفسك؟ .
وهنا تدخلت زوجته في الحديث قائلة :وقالت أنه لو كان ينفع أو يدفع عن أحد ضررًا لكان دفعه عن نفسه أولًا ، فقال لها أبو الدرداء أن تجهز له ماء في المغسل ، وقام وأغتسل ولبس حلته متجهًا إلى النبي ، فنظر إليه بن رواحة وهو مقبل ودخل إلى الرسول صّلي الله عليه وسلم وهو يقول : يا رسول الله هذا أبو الدرداء ،
وهنا بدت أحدي معجزات النبي حيث أخبر الرسول صليّ الله عليه وسلم الصحابي عبدالله بن رواحة رضي الله عنه أن أبا الدرداء جاء ليعلن إسلامه فالله وعد رسوله بأن يسلم أبو الدرداء وفعلًا أعلن أبو الدرداء إسلامه فكان من خيرة الصحابة رضوان الله عليهم .
وقد ارتبط ابي الدرداء رغم إسلامه المتأخر بعلاقات وثيقة مع النبي صلي الله عليه وسلم حيث وصفه بالقول : «هو حكيم أمّتي». وكان الصحابة يحفظون له منزلته، فقد روى مكحول الشامي أنه: «كانت الصحابة يقولون: «أرحمنا بنا أبو بكر، وأنطقنا بالحق عمر، وأميننا أبو عبيدة، وأعلمنا بالحرام والحلال معاذ، وأقرؤنا أبي، ورجل عنده علم ابن مسعود، وتبعهم عويمر أبو الدرداء بالعقل»».
ليس أدل علي مكانة الصحابي الجليل من واقعة كانت بطلها الصحابي معاذ بن جبل خصوصا عندما حضرته الوفاة، قالوا: «أوصنا»، فقال: «العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما. - قالها ثلاثا- فالتمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام الذي كان يهوديًا فأسلم». كما قال أبو ذر لأبي الدرداء: «ما حملت ورقاء، ولا أظلت خضراء، أعلم منك يا أبا الدرداء».
وكذلك كان عبد الله بن عمر بن الخطاب يقول: «حدثونا عن العاقلين». فيقال: «من العاقلان؟»، فيقول: «معاذ وأبو الدرداء». وقد أعلى عمر بن الخطاب من قدر أبي الدرداء، ففرض له 400 درهم في الشهر كالبدريين. وقال التابعي مسروق بن الأجدع: «وجدت علم الصحابة انتهى إلى ستة: عمر وعلي وأبي وزيد وأبي الدرداء وابن مسعود؛ ثم انتهى علمهم إلى علي وعبد الله»
الصحابي الجليل كانت له مناقب عديدة حيث عرف عنه السماحة والعفو حيث كان هناك رجلًا يحكي له في مرة قولًا جارحًا فتركه أبو الدرداء ولم يرد عليه ، ولم علم بهذا عمر بن لخطاب رضي الله عنه غضب وذهب إلى أبي الدرداء ليعرف منه ما حدث ، فقال أبو الدرداء : اللهم غفرانًا ، أو كل ما سمعنا منهم نأخذهم به ؟
ومن المثير أن الصحابي الجليل كان يعمل في التجارة وكان مشهورًا بها ، وعندما أسلم تركها وتفرغ للعلم والعبادة حيث قال : أردت أن أجمع بين التجارة والعبادة ، فلم يستقم ، فتركت التجارة وأقبلت على العبادة وقيل عنه في المعارك أنه فارس عويمر ، ولأنه كان ينطق بالحكمة فقيل عنه : حكيم الأمة عويمر .
وكذلك كان معروفا عنه كثرة دعائه بظهر الغيب وفي صلواته للصحابة حيث كان يدعو لأصدقائه كلهم وعددهم 360 صديقًا ولما سئل عن هذا قال : إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به مَلَكيْن يقولان ، ولك بمثل ، أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة .
وكان من العابدين الزاهدين فعندما زارة مر بن الخطاب في بيته لم ير فيه غير فراش من الجلد وكساء لا يحمي من البرد ، فقال له : رحمك الله ، ألم أوسع عليك ، فقال أبو الدرداء : أتذكر حديثًا حدثناه رسول الله فقال له عمر : أي حديث ، فقال : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ، قال نعم ، فقال : فماذا فعلنا بعده يا عمر .
اقرأ أيضا:
قصة النار التي أخبر النبي بظهورهاومن مناقبه كذلك أنه رضي الله عنه كان يعلم الناس القرآن الكريم ويحثهم على طلب العلم ويأخذ بأيديهم ويساعدهم لما فيه خير ، وفي يومًا من الأيام مر أبو الدرداء على مجموعة من الناس يضربون رجلًا فقا لهم : ماذا فعل ، فقالو أذنب ذنبًا ، فقال : أرأيتم لو وجدتموه في بئر أكنتم تستخرجونه منها ، فقالوا نعم ، فقال : فلا تسبوا أخاكم ، واحمدوا الله الذي عافاكم فسألوه ألا تبغضه ، فقال : إنما أبغض عمله ، فإذا تركه فهو أخي .
والصحابي الجليل شارك في الفتوحات الإسلامية خصوصا عند فتح قبرص حيث كان رضي الله عنه معهم ووقت توزيع الغنائم إذوقف أبو الدرداء إلى جانب جبير بن النفير ومر من أمامهم السبي والأسرى فبكى أبو الدرداء وسأله الجبير : تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله ، فرد عليه أبو الدرداء وقال : يا جبير ، بينما هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله فلقوا ما ترى ما أهون العباد على الله إذ هم عصوا .
الصحابي الجليل أبو الدرداء عاش حياة بسيطة متواضعة غلى أن جاءته ساعة الموت ، وقد قال وقت احتضاره : من يعمل لمثل يومي هذا ، من يعمل لمثل مضجعي هذا وتفى في عهد عثمان بن عفان عام 32 من الهجرة .