وردت شبهة إلى موقع amrkhaled.net حول نهى الله عز وجل في كتابه العزيز للمؤمنين عن الاستغفار للمشركين؛ فقال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ* وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}.
فلماذا دعا سيدنا إبراهيم الله أن يغفر لأبيه في قول الله تعالى "رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)إبراهيم، ولماذا أيضا طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمه أبي طالب أن يقول لا إله إلا الله فقط لكي يحاج بها الله يوم القيامة، وماذا لو قالها عم النبي أبو طالب، ليرضي بها النبي صلى الله عليه وسلم فقطن دون ان يرضي الله، وهل صحيح أن أبا طالب آمن بالله وبرسوله ولكنه اخفى ذلك على قريش؟.
يقول العلماء إن استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه ووعده به قبل أن يعلم عاقبة أبيه، ولأن الله سبحانه لم يكن قد نهاه عنه، فلما تبين أنه من أصحاب النار وأنه عدو لله، وسيموت على الكفر، ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير تبرأ منه موافقة لربه سبحانه.
وقد نهى الله في كتابه العزيز المؤمنين عن الاستغفار للمشركين؛ فقال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ* وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}[التوبة: 113، 114] .
قال الإمام الطبري في "تفسيره"( 4/ 509) - عند تفسير آية التوبة -: "يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به= {أَنْ يَسْتَغْفِرُوا}، يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين، ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم {أُولِي قُرْبَى} ذوي قرابة لهم {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}، يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان، وتبين لهم أنهم من أهل النار؛ لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله.
فالاستدلال بإن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك؟ فلم يكن استغفارُ إبراهيم لأبيه إلا لموعدة وعدها إياه، فلما تبين له وعلم أنه لله عدوٌّ، خلاه وتركه، وترك الاستغفار له، وآثر الله وأمرَه عليه، فتبرأ منه حين تبين له أمره".
وبين بن تيمية الحكمة من النهي عن الدعاء بالمغفرة للمشركين، فقال في "مجموع الفتاوى" (1/ 130): "ولا ريب أن دعاء الخلق بعضهم لبعض نافع، والله قد أمر بذلك، لكن الداعي الشافع ليس له أن يدعو ويشفع إلا بإذن الله له في ذلك، فلا يشفع شفاعة نُهى عنها، كالشفاعة للمشركين والدعاء لهم بالمغفرة، قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 113، 114].
وقد ثبت في الصحيح أن الله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار للمشركين والمنافقين، وأخبر أنه لا يغفر لهم، كما في قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48، 116]، وقوله: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84].
الشفاعة لا تنفع الكفار
فالشفاعة للكفار بالنجاة من النار والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم - ولو كان الشفيع أعظم الشفعاء جاهًا - فلا شفيع أعظم من محمد صلى الله عليه وسلم ثم الخليل إبراهيم، وقد دعا الخليل إبراهيم لأبيه واستغفر له كما قال تعالى عنه {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41] وقد كان صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأبي طالب اقتداء بإبراهيم، وأراد بعض المسلمين أن يستغفر لبعض أقاربه فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
ثم ذكر الله عذر إبراهيم فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115].
وثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب أنت وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله عز وجل: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: انظر ما تحت رجليك فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار"، فهذا لما مات مشركًا لم ينفعه استغفار إبراهيم مع عظم جاهه وقدره.
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟دعوة النبي لعمه أبي طالب
روى الإمام البخاري بإسناده عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه «أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل فقال: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاجُّ لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [سورة التوبة الآية 113].
ونزلت {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [سورة القصص الآية 56]» .
وهذا كله ظاهر في أنه مات على غير الإسلام] فتح الباري 7/245.
وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال استغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي. فقال أصحابه: لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه، فنزلت» وهذا فيه إشكال، لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية والأصل عدم تكرر النزول.
Tما تدل عليه الآية الكريمة وهو تحريم الاستغفار والترحم على من مات كافراً من المغضوب عليهم ومن الضالين المضلين الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [سورة البقرة الآية 161]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [سورة آل عمران الآية 91].
وثبت في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» (رواهُ مسلم).
ولا يتبقى إلا أن نعلم أن الكفار مهما كانوا فإن ما يقدموا من خير لن ينفعهم عند الله تعالى لقول الله تبارك وتعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} هذا إذا تيقن أن فيه خيراً للإسلام والمسلمين فأما إذا كان فيه احتمال إن هذا الخير من أجل إبراز الدعوة النصرانية لمبرز ظاهر إنساني فان ذلك لا يكون فيه خير للمسلمين بل هو ضد المسلمين في الواقع.
كما أنه لا يجوز لنا أن نترحم أو نستغفر لأحد من الكافرين المشركين أو اليهود أو النصارى لأن ذلك خلاف هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلاف هدي الذين آمنوا قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} .