إن المتأمل المتبصر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليجد عجبا .. فكم هي أخلاقه السمح وفضائله التي فاقت عن الحصر إنه المؤيد من السماء وقد زكاه ربه فقال:" وإنك لعلى خلق عظيم".
ومن الأمور الرائعة التي جاءت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وربما لم ينتبه إليها الكثيرون سنة الأخذ باليد.. والأخذ باليد تعني الملاطفة فمجدر استشعارك أن فلانا الذي يحبك جاء إليك وصافحك أو أخذ بيديك أو ربت على كتفيك وغيرها مما يلزم منه الملامسة تشعر بالحنان الجارف والشوق الجميل له.
وهذا الأمر كان صلى الله عليه وسلم حريصا عليه حتى إنه رغب في السلام باليد بين الرجال فقد روى حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: « إنّ المؤمن إذا لقي المؤمن فسلّم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشّجر ».
معنى الأخذ باليد:
وسنة الأخذ باليد أعم فهي تعني التلطف وإظهار الود وطيب العشرة وحسن الخصال كما تتضمن التواضع ونحن ندرك أهميتها الآن في مجال التربية والتعليم فبمجرد أن يضع المعلم يده على الطالب أو أن يصافحه أو يمسك حكم المباراة بيد المنتصر ويرفعها أو الأم مع ابنتها أو الزوج مع زوجته تتفجر معاني الألفة بين الطرفين ويذوب أي خلاف موجود وتساعد الملامسة باليد على فتح مجال للحوار لذا أولاها الإسلام عناية خاصة لكن بضوابط شرعية منها أن تكون بين من يجوز له ملامسته.
سنة الأخذ باليد في حياة الرسول:
ومن صور الأخذ باليد في مجال التعليم ما جاء به الإسلام فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبدالله بن هشام يقول: كُنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ، فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ .
فالأخذ بيد عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أجمله من شعور يحمل وصفا لا حصر له، والذي يحمل لغة المحبة من الأعلى للأدنى والحديث في دائرة المحبة وتأكيدها فيكون الأخذ دليل المبادرة النبوية على عمق المحبة المحمدية لعمر.
ولقد تكلم خبراء التنمية البشرية حديثا على أهميته في دعم الود بين الأفراد، كما أشاروا إلى ضروريته في تذويب الخلافات وإلى أنه أحد أهم الوسائل في التعليم لأن أخذ بيد المتعلم عند تعليمه، فيمسك شيخه بيده، ويقرب منه، فكأنه يلفظ بالعلم من الجنان إلى اللسان والأركان فيقوم كل عضو بوظيفته في تبليغ ما عليه من مدلول العلم وترسيخ التعلم، فاللسان ينطق بالمراد والكلام، والعين تنطق بالمدلول وتبعث على إدراك المفهوم، واليد توصل حرارة المنطوق إلى جسد المتعلم فيزداد فهما ووعيا وشعورا وهذا الشعور لا يتحقق في التعليم عن بعد عبر وسائل التعليم الحديثة.
إن مجرد لمس المعلم لك أو الأخذ بيدك دعم لك كطالب فاليد كما هي وسيلة للعقاب فهي وسيلة أيضا للدعم الإيجابي ولا يستهان بها في هذا الجانب والمعلم الواعي هو الذي يدرك أهميتها ويكثر من استخدامها في المواقف التي تحتاج لتشجيع فأخذ المربي بيد طلابه يعني مساندتهم اكما تعني أن يربيهم بالرفق قبل العلم، أو يقدم الوسائل المتاحة في نيل إصغائه الكامل، أو يدفع عنه بيده هيبة المربي الشديدة التي تزاحم أحيانا موطن التعليم والفهم.
الأخذ باليد والأخذ عليها:
وهناك فرق ظاهر بين الأخذ باليد والأخذ عليها وهذا الفرق يوضح لنا المعنى الإيجابي لتي تؤثره اليد في الآخر فبضدها تتميز الأشياء فيمكن معرفة الأثر الإيجابي لليد في استخدامها في التربية الطوعية او الدعم الإيجابي وهذا المعنى الأول التي أشرنا إليه سابق وهو معنى الأخذ باليد وتكون عند المعرفة وطلب مزيد العلم، واستيضاح الدليل، وتعلم الجديد، وسبق الجمع، وتوارد الفكر، وتساوي الظن، وغياب اليقين بالشيء ، وسمتها: لين ومرونة وحب وتعهد وسماحة وتعذر وغاية مشتركة، أما الأخذ عليها يكون وسيلة عقاب وزجر عند انفلات الأمر، أو شرود الذهن ، او تمييع القضية، أو ترك المجموع ، أو انعزال الفرد ، أو تضييع الحق ، أو وقوع الفتور ، أو غياب الوعي والفهم.. فاليد إذا وسيلة مهمة للدعم بجميع أنواعه إن أحسن استخدامها في مواضعها وبهذا فقد سبق بها الإسلام علماء التربية والتعليم الآن بهذه الوصايا الجامعة.
فتدبر