أخبار

أجمل ما قيل عن حسن الظن بالله.. لن تتخيل ما قاله "الإمام مالك" ليلة موته

عقوق الأبناء.. قبل أن يتحول إلى عادة مدمرة!

ردد هذا الدعاء وأنت ذاهب للعمل صباحًا

8 أسباب تؤدي إلى تساقط الشعر.. تعرف عليها

أفضل 5 طرق للحماية من الشيخوخة

نتصارع على الدنيا وهي فانية.. كيف النجاة؟

من هم آل ياسين .. هل هم آل سيدنا محمد أم قوم نبي الله إلياس؟ ولهذا مال حبر الأمة عبدالله بن عباس

سيئاتك في الخفاء تنسف حسناتك في الملأ

ماذا تقول عند قراءة آيات الوعد والوعيد في القرآن؟.. آداب لا تفوتك

عمرو خالد: لا تحمل هم الرزق.. طمن روحك وقلبك بوعد الله

عمرو بن العاص.. كيف استطاع فتح مصر؟

بقلم | محمد جمال حليم | الخميس 23 ديسمبر 2021 - 06:00 م

لا يزال الحديث عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه موصولاً، فقد استطاع هذا البطل والقائد إثبات فروسيته بذكائه الحاد وبفضل ما حياه الله تعالى من بصيرة ثاقبة..
وفى بحثه المميز يستعرض المؤرخ الإسلامي الكبير الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية جوانب مضيئة من حياة عمرو بن العاص فيقول:
كان عمرو بن العاص حاد الذكاء قوى البديهة عميق الرؤية ، بالغ الجرأة مقداماً، وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة ، أدركت الوفاةُ عمرو بن العاص بمصر ؛ حيث كان والياً عليها ، وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال: "كنت أول أمري كافراً ، وكنت أشد الناس على رسول الله ، فلو مت يومئذ لوجبت لي النار ، ثم بايعت رسول الله ، فما كان في الناس أحد أحب إليَّ منه ولا أجل في عيني منه إجلالاً ، فلو مت يومئذ لرجوتُ أن أكون من أهل الجنة، ثم بليت بعد ذلك بالسلطان ،  وبأشياء لا أدري أهي لي أم عليّ ، ثم رفع بصره إلى السماء في ضراعة مناجياً ربه الرحيم العظيم قائلاً : "اللهم لا برىء فأعتذر ، ولا عزيز فأنتصر ، وإلا تدركني رحمتك أكن من الهالكين".
ويضيف : وظلَّ في ضراعته وابتهالاته حتى صعدت روحه ، وكانت آخر كلماته : "لا إله إلا  الله محمد رسول الله" .
وتحت ثرى مصر التي عرَّفها عمرو طريق الإسلام ثَوى رفاته وأرضاه ، وجزاه عن مصر والمصرين خير الجزاء.

عمرو وعبقرية الفتح :
كان إلمام عمرو بالخريطة النفسية والفكرية والمعنوية لمصر لا يقل عن إلمامه بالخريطة السياسية والعسكرية ، وكلتا الخريطتين تكمل إحداهما الأخرى في ظروف الصدام الحضاري !!
ويشير د عبد الحليم عويس  إلى أن هذا الإلمام يدلنا على مدى ما أحدثه الدين الجديد من وعي حضاري في نفوس أبنائه ، إنه وعي لا يقف عند حدود الإيمان التقليدي الذي تسيطر فيه العاطفة الجامحة ، بل هو وعي يدفع على التجرد من الأهداف الشخصية والمحدودة لحساب الأهداف العامة والعليا ، فليس معنى "الإيمان" في الإسلام منفصلاً عن معنى "الفطانة والعلم" ، بل "المؤمن" من شروط  إيمانه أن يكون "كيّساًَ فطِناً" ، ومن ثم فليس منسجماًَ أن يقال : "إن المسلمين انتصروا بالإيمان المجرد".. بل بالإيمان القائم على العلم والفِطنة !!
ـ كان عمرو يدرك أن مصر بلد يعاني من الانفصام بين الأمة والدولة ، بين القيادة والشعب، وأن هذا الانفصام جعل الفرس يفتحون مصر في مدة وجيزة قبل أن يستشعر الروم هول الأمر فيخرجوهم منها .
ففي خريف سنة (16هـ) كان القائد الفارسي شاهين (سايس . ساين) قد أتم استعداده لغزو مصر عن طريق العريش ، متتبعاً فرع النيل الغربي ، ومن هناك سار إلى الإسكندرية ، ويصف مؤرخو اليونان هذه الحرب في كلمة قصيرة ، إذ يقولون :"جاء الفرس فأخذوا مصر كلها والإسكندرية وليبيا إلى حدود أثيوبيا ، ثم عادوا ومعهم عدد عظيم من الأسرى وغنائم جليلة المقدار" ، ويزيد المؤرخون المصريون على تلك القصة شيئاً يسيراً لا يشفي الغليل ؛ على أننا نعرف منهم أنه قد فُتحت الفَرَمَا بغير كبير عناء ، وأن الفرس خربوا الكثير من كنائسها وأديرتها،  ومن الطبيعي أن يكون هذا الغزو ـ بكل ملابساته ـ ماثلاً في ذهن عمرو ، الذي كان خبيراً في الشؤون المصرية مهتماً بها !!
ولقد كانت الحالة الدينية لمصر أثناء الفتح الإسلامي مليئة بالخلافات فمصر القبطية عانت من قسوة الفرس كنا عانت اشد المعاناة من الروم البيزنطيين وتفرقت كلمتهم الدينية تفرقا كبيرا، وكان عمرو بن العاص يعرف كل هذه الظروف التي تعيشها مصر ، كما يعرف أيضاً قيمة مصر "الجغرافيا" و "التاريخ" و "الحضارة" ، ويعرف أن الرومان الذين ضُربوا ضربات قاتلة في مفاصلهم الرئيسية ، سيكونون أعجز في دفاعهم عن الأطراف التي تضيق بهم وبسياستهم.

التجهيز للفتح الإسلامي لمصر:
لهذه الظروف كلها لا يجوز لنا أن نعجب حين نجد عمرو بن العاص يتقدم لفتح مصر  بعدد لا يزيد عن أربعة آلاف جندي ، وليس ذلك استخفافاً بمصر بقدر ما هو استخفاف بالروم وبموقعهم في مصر ، فضلاً عن أن هذا العدد يعكس ثقة المسلمين بأنفسهم ودينهم ، ويعكس ثقتهم ـ أيضاً ـ بالهزيمة المعنوية والتمزق النفسي الذي يعيشه خصومهم ، وكما يقول الأستاذ العقاد : "لقد كانت ثقة هرقل قد ضاعت في نفسه ، وضاعت ثقة الروم في صلاحهم للحكم ، وضاعت ثقة الأعوان في صلاح العاهل والدولة ، ولم تبق لهم إلا بقية من تمسك يُقيمها الخوف من عقاب الرؤساء ، ويوشك أن يذهب بها خوف أعظم منه وهو  الخوف من بأس المغيرين" !
ومن الجانب الآخر ملك المسلمون كل ثقة بالنصر ، وكل إيمان بحقهم فيه ، واطمأنوا إلى خليفة قوي ، وقائد قوي ، وصبْرٍ قوي على كل بلاء ؛ وعلم عدوهم هذا منهم فوصفهم ـ بعد رؤية وخبرة ـ بأنهم "قومٌ الموت أحب إليهم من الحياة ، والتواضع أحب إلى أحدهم من الرفعة ! ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نُهمة!"  .

من صاحب فكرة فتح مصر؟
ـ ومن مجموع هذه الخبرات والمعارف والبواعث انطلق عمرو بن العاص يقنع أمير المؤمنين بما يراه مصلحة مهمة تتحقق في ظروف مواتية بأقل التكاليف الممكنة ، ويبدو أن تحمسه الشديد ودفاعه عن وجهة نظره بقوة، وتهوينه للأمر اعتماداً على خبرته ومعلوماته قد دفع أمير المؤمنين إلى شيء من التردد والتحفظ والحيطة ، وكان مما قاله عمرو بن العاص لأمير المؤمنين فيما يرويه ابن عبد الحكم (المتوفى سنة 257هـ) : "إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعوناً لهم ، وهي أكثر الأرض أموالاً وأعجزها عن القتال والحرب"  .
وهناك آراء ترجع بفكرة فتح مصر إلى عمر بن الخطاب نفسه ، وهذه الآراء تذكر أن عُمر وهو في الجابية كتب إلى عمرو بن العاص يأمره بالشخوص إلى مصر ، فوافاه كتابه وهو بقيسارية ، والذي نميل إليه أن فكرة فتح مصر أثيرت لأول مرة في الجابية سنة (17هــ 638م) عندما قدِم عمر بن الخطاب إليها للإشراف على آخر ما وصلت إليه الفتوحات الإسلامية ، وفي هذه الظروف التي كان يبحث فيها الخطة العامة للفتوحات برزت فكرة فتح مصر ؛ حين أدرك عمر أهمية مصر عسكرياً للإفلات من تطويق الروم للمسلمين من جهة الجنوب والغرب ؛ خاصة  وأن "أرطبون" أحد كبار القادة البيزنطيين قد لاذَ بها ، بالإضافة إلى ثروة مصر وأهمية موقعها الجغرافي !!.
وهذا هو ما نميل إليه ونؤمن به ، كما أن هذا لا يمنع أن يكون عمر قد خشي بعض الاندفاع من عمرو بن العاص فأرسل إليه يأمره بالتريث والحيطة ، أما الآراء الأخرى التي تجنح إلى القول بأن عمرو بن العاص لم يستأذن في فتح مصر ، أو أنه أعمل الحيلة حتى أرغم الخليفة على أن يتركه يمضي في فتح مصر ، فهي آراء مرجوحة لا تؤيدها الوقائع الصحيحة ولا التفسير الصحيح للأحداث ، كما لا تقبلها طبيعة خليفة مثل عمر بن الخطاب .

بداية فتح مصر:
ومهما يكن الأمر فإن عمرو بن العاص في يوم الأحد العاشر من ذي الحجة من السنة الثامنة عشرة للهجرة ، الموافق الثاني عشر من ديسمبر سنة 639م ـ تقدم لدخول مصر ، وكانت مدينة العريش "رينو قورورا" هي أول العمران الذي التقى به جيش عمرو ، بينما كانت "حامية الفرما" أول موضع التقى فيه جيش الإسلام الواثق بنصر الله بجيش الروم المنهزم داخلياً ، والممزق عقدياً ، وكانت "الفَرَمَا" ـ وتسمى أيضاً بلوز ، وبرمون ـ ذات شأن كبير ، فهي مفتاح مصر من جهة الشرق ، وتشرف على الطريق القادم من الصحراء ، وتقع على نهر من الأرض على نحو ميل ونصف من البحر "شرق بور سعيد الحالية" ، لها ميناء لعله كان متصلاً بالمدينة بخليج يجري من البحر ، وعلى مقربة منها يصب في البحر أحد فروع النيل القديمة ويدعى بالفرع البيلوزي . وقد استمر حصار الفرما شهراً ، كما ذكر المقريزي وابن عبد الحكم والسيوطي وابن الأثير ، وغيرهم ، وشهرين في رواية أخرى لياقوت في معجمه ، وكان من المحتمل أن يستولي عليها العرب في أقل من ذلك ، لولا قلة جنود عمرو ومناعة الأسوار .

امتلاك الفرما:
فلما ملك المسلمون الفرما صار في أيديهم معقل يؤمن لهم الطريق المؤدية إلى بلادهم ويضمن لهم سبيل الرجوع إذا نزلت بهم هزيمة ، وقد فطنوا بعد فتح الفرما إلى ما هم مقبلون عليه من الأمر الخطير إذا أتيح لهم فتح حصن بابليون والإسكندرية العظيمة ، ولابد أن يكون عمرو قد أدرك أنه لن يستطيع شيئاً إذا لم يوافِهِ عمر بن الخطاب بما وعده من الأمداد ، وكان يعرف أن الأمداد لن تستطيع أن تخلص إليه إلا عن طريق الفرما ولم يكن معه من الجند من يقدر على أن يخلفه في المدينة ليحرسها ، وعلى ذلك لم يكن له بُدّ من هدم أسوارها وحصونها حتى لا يستفيد بها العدو لو عاد إلى تملكها .

المواجهة مع الروم :
ويستطرد : قد واصل عمرو زحفه بعد الفرما متغلباً على ما يصادفه من مقاومة ، وقد نزل القواصر من أعمال التل الكبير ، فدخلها ، ثم سار إلى بلبيس ، فافتتحها بعد شهر ، فلما وصل إلى "أم دُنَيْن" الواقعة شمال حصن بابليون ، اشتبك مع البيزنطيين في قتال عنيف يعتمد على مقاومة منظمة ؛ ومن ثم وجد عمرو نفسه في مواجهة عقبة من أخطر العقبات التي واجهته . .. ويستكمل د. عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية كلامه فى المقال القادم عن الفتح الإسلامي لمصر بقيادة الصحابى الجليل عمرو بن العاص.


الكلمات المفتاحية

عمرو بن العاص عمر بن الخطاب فتح مصر

موضوعات ذات صلة

الأكثر قراءة

amrkhaled

amrkhaled لا يزال الحديث عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه موصولاً، فقد استطاع هذا البطل والقائد إثبات فروسيته بذكائه الحاد وبفضل ما حياه الله تعالى