يواجه ملايين الناس مشكلات مزمنة في حياتهم اليومية نتيجة الضغوط الحياتية، بسبب الغلاء، والاعتماد بشكل كلي على الدروس الخصوصية التي تلتهم أكثر من نصف مدخولات الأسرة، الأمر الذي يسبب أزمة كبيرة لدى الفقراء من الناس مع عجزهم عن التعاطي مع هذه المشكلة، لانخفاض رواتبهم، ما يؤثر على مستقبل أبنائهم في الدراسة.
يركز مضمون عمل دراسة قام بها الخبير التربوي إيريك جنسن في عدة دوريات ومجلات علمية، على العلاقة بين التحصيل الأكاديمي و الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الطفل في بيئة فقيرة؛ وذلك من خلال أطروحات ثلاث:
تنبني الأطروحة الأولى على حقيقة مفادها أن التعرض المستمر للفقر يُحدث تغييرات مدمرة في المخ، حيث تُسبب الخبرات المؤلمة في الطفولة خللا في الوظائف الاجتماعية و المعرفية، واضطرابا في السلوك، ناهيك عن التعرض للأمراض وخطر الموت المبكر في بعض الحالات.
الأطروحة الثانية فتنطلق من كون المخ بطبيعته يتواءم مع الخبرات المتاحة في بيئته، وبالتالي فإن تبني المدرسة لاستراتيجيات جيدة يُمكن أن يُحدث فرقا .
الأطروحة الثالثة بعض العوامل المفتاحية، و الخطوات التنفيذية التي تساعد على تحرير الطفل من تبعات الحرمان، والتقليل من آثار التفاوت في التحصيل الأكاديمي .
فالتجاهل والاستبعاد، والتعرض للملوثات وسوء المعاملة، والسكن المزدحم ، والحرمان المادي هي تحديات تدفع بملايين الخلايا إلى وضع الخمول والترقب بدل الارتقاء، وهو الوضع الذي يمكن للجسم أن يتحمله على المدى القصير فحسب، أما في حالة التكرار فإن الطفل سيعاني حتما من السلبية و الاكتئاب.
ماهي إذن العوامل الحاسمة التي تحقق تأثيرات إيجابية على الأطفال من بيئة فقيرة في الصف المدرسي ؟
يعرض إيريكجنسن خمسة عوامل يمكن استخلاصها من البحوث التي أجريت في هذا الصدد.
يتمثل العامل الأول في اعتماد منهج وتدريس مبني على أساس معايير، والذي يساعد على كشف عدم التكافؤ الاجتماعي في الأداء المدرسي، وبالتالي إتاحة فرص أفضل للتلاميذ المحرومين عبر تقديم خدمات أفضل، ومدهم بمدرسين ذوي تأهيل عال.
أما العامل الثاني فمتعلق ببناء الأمل، وتنبيه المدرسين إلى خطورة الافتراضات المسبقة التي تلعب دورا كبيرا في النتائج. فالقول بأن الأطفال الذين مروا بخبرات قاسية لا يُمكن أن نتوقع منهم الكثير هو حكم سابق لأوانه.
والأجدر بالمدرس أن ينشر الأمل بين صفوف تلاميذه، ويعمقه في وجدانهم، لأن الأمل يغير كيمياء المخ، ويؤثر على القرارات التي يتخذها الطفل.
ويراهن العامل الثالث على الفن والرياضة والمكانة المتقدمة لرفع التوقعات. نظرا لأن إدراج الفنون والرياضة في اليوم الدراسي يسهم بشكل واضح في بناء مهارات الانتباه، والمعالجة المعرفية، والذكاء الوجداني، واحترام التنوع. وهذه الدافعية التي تولدها الفنون والرياضة تؤدي في الغالب إلى احتفاظ المخ بحالة تيقظ، والرفع من كفاءة شبكات الوصلات المسؤولة عن الانتباه.
الرابع هو متعلق بحاجة الطفل إلى نظام تشغيل أكاديمي يتضمن مهارات أساسية للنجاح المدرسي، من بينها : القدرة على تأجيل الإشباع وبذل الجهد المتصل لتحقيق أهداف بعيدة المدى، ومهارات معالجة البيانات السمعية والبصرية واللمسية، ومهارات الانتباه وغيرها.
أما العامل الأخير فيثير مسألة التدريس الجاذب، وسبل إقناع الطفل من بيئة فقيرة بأن المدرسة مصدر للنجاح وإضفاء معنى على الحياة. ذلك أن أغلب المدرسين يعتبرون حفظ النظام داخل الفصل تحديا أهم، وبالتالي يُهدرون خُمس وقت الحصة في محاولة السيطرة على التلاميذ.
اقرأ أيضا:
من عجائب إكرام الضيف| أكل عنده الشافعي فأعتق الجارية فرحًا