يتباهى بعض البشر بمناصبهم وبحصانتهم، ومع تفاوت الحصانات الدنيوية يعمل البشر من عامة الناس ألف حساب لأصحاب الحصانة هؤلاء من أرباب المناصب.
وإذا كان هؤلاء من أصحاب الحصانات الدنيوية، فهناك أناس لهم حصانة ربانية، وهم "اليتامى"، فقد جعل الله لليتامى حصانة إلهية من تعدى عليها حرقه الله يوم القيامة، وخسف به وبداره وجعل ظلمه لليتيم لعنة تلعنه في الدنيا والأخرة، إلا أن هناك من يتجرأ على مال اليتيم وصاحب هذه الحصانة الإلهية، غير مكترث بما نبه الله عليه عز وجل.
من هو اليتيم صاحب الحصانة الإلهية؟
اليتيم هو كل طفل أو صبي فقد والده قبل البلوغ والرشد، فلا أب ينفق عليه ويربيه ويعطف عليه ويرعاه.
وقد أمر الله تعالى امرا حاسما وجازما، بحفظ حق اليتامى، والإحسان إليهم، ورغّب في كفالتهم، ونهى وحذَّر أشد تحذير من أكل أموالهم ظلما.
قال الله تعالى في سورة النساء: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا».
وقال تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا» الإسراء.
فهناك من ينتهز الفرصة بعد وفاة الرجل، ويقوم بنهب أمواله من بعد وفاته، غير مكترث بحق اليتامى والنار التي ستحرق بيته بهذه الجريمة.
بعض الإخوة ما أن يتوفى الله أخيهم، يبدأون في التخطيط للسيطرة على ماله، وأكل حقوق أبنائه، فمنهم من يمنع هؤلاء اليتامى من الميراث كأن يدعي أنه يحفظ هذا المال من السرقة ويحرمه عليه ليستحله لنفسه.
ومن الناس من يقوم بمنع اليتامى في أخذ إرثهم من جدهم الذي توفي الله أباهم من قبل جدهم، فتجد بعض الإخوة يقدرون إرث هؤلاء اليتامي بما يحلو لهم فيبخسون حقوقهم، ويقدرون إرثهم بأقل مئات المرات مما يستحقون، ويرمون إليهم فتات إرثهم ببعض الآلاف من الجنيهات، وكأنهم بهذا أرضوا ضمائرهم.
ومنهم من يجعل نفسه شريكا في مال أخيه وهو يعلم أنه ليس من حقه هذه الشركة، ولكنه يفرض نفسه شريكا بالقوة، في هذا المال، حتى ولو بغير رضا الزوجة وأبنائها الصغار، ويغسل أمواله في أموال أخيه حتى يستولي بهذا على المال كله.
واليتيم الذي تأكل حقه وأنت تتجرأ على هذه الحصانة الإلهية التي حصنه الله بها، من لطفه ورحمته تعالى باليتيم الذي فقد والده وهو صغير، غير عارف بمصلحة نفسه ولا قائم بها، أمر الله أولياءه بحفظه وحفظ ماله وإصلاحه، وألا يقربوا ماله «إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» من التجارة فيه وعدم تعريضه للأخطار، والحرص على تنميته، وذلك ممتد إلى بلوغه وعقله ورشده، فإذا بلغ أشده زالت عنه الولاية وصار ولي نفسه ودفع إليه ماله.
فمن ولي شيئا من حقِّ يتيم فليحفظه، فإنَّه مسؤول عن ذلك يوم القيامة، كما أنَّ الإسلام حثَّ على كفالة اليتيم وجعل جزاء كافله عظيما، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا».
والمؤمن يحسن إلى اليتامى ويُعامل أحدهم كما يُحبُّ أن يُعامل ولده من بعده، ولا يسيء إلى اليتيم ولا يحتقره ولا يقهره، قال تعالى في سورة الضحى: «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ».
وقد جعل الله للإحسان إلى اليتامى ثمرة عظيمة هي حصول لين القلب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا، شَكَا إِلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ».
ومن فوائد الإحسان إلى اليتامى وكفالتهم، حصول تماسك المجتمع وقوته، وحُسن الترابط بين أفراده، لوجود الألفة والمحبة بينهم، ذلك أنَّه مجتمع حفظ حقوق اليتامى وأحسن إليهم، ولم يتركهم هملا، وكذلك بشرى لمن كفل يتيما بصحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وهي منزلة عظيمة وشرف كبير.
اظهار أخبار متعلقة
عقوبة أكل مال اليتيم
توعّد الله سبحانه آكل مال اليتيم بشديد العقاب وأليم النَّكال، حيث تهدّد الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (النساء: 10).
وأمر الله بعنايتهم وعدم قهرهم، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ (الضحى: 9).
وأكل مال اليتيم لا يقتصر على الاستيلاء على خصوص ما كان من الطعام والشراب، بل يصدق على وضع اليد والهيمنة على أيّ شيء من أموالهم بغير حقّ، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: 34).
ظلم اليتيم شر عظيم
وأكثر مَن يُبتلى بمال اليتيم بعضُ أقربائه، كأمّه وعمّه وخاله، حيث يموت الأب فيتصدّى بعض هؤلاء للتصرّف في أمواله التي ورثها عن أبيه مثلاً، وهنا يكون الامتحان الكبير لهم في كيفيّة التعامل مع هذا المال، إمّا بما يرضي الله تعالى ويوجب أجرَه وثوابه، وإمّا بما يرضي الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء.
وأكل مال اليتيم ما يملكه الإنسان بالباطل، وقد نهى الله سبحانه عن ذلك بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ (النساء: 29).
ومن أمثلة ذلك:
1- حرمان الابنة من ميراثها: ما يحصل في بعض الأحيان والمجتمعات من هيمنة الأبناء الذكور على إرث أخواتهنّ، بحجّة انتقال الأخت إلى بيت زوجها الذي يقوم بالنفقة عليها، ومن باب ضعفها غالباً وعدم قدرتها على المواجهة، أو من باب شفقتها وعدم رغبتها في إثارة مثل هذه الخلافات، بما يسيء إلى سمعة إخوتها.
2- هيمنة أخ على ميراث أخيه: ومثل هذا المورد، هيمنة الأخ الكبير على مال أخيه الصغير الذي يملكه بالإرث أو بغيره، وكذلك هيمنة الأخ القويّ على أخيه الضعيف، هو حرام وباطل.
3- هيمنة العمّ: قد يصادر العمّ القويّ إرثَ ابنِ أخيه الصغير أو الضعيف، مع العلم أنّ العمّ لا يرث أخاه مع وجود ابنٍ/ابنةٍ له؛ لأنّ أبناء الميت هم من المرتبة الأولى في باب الإرث، التي تمنع إخوة الميت من الميراث؛ لأنّهم من المرتبة الثانية.
وأكثر ما يعاقب به الذي يأكل مال اليتيم في الدنيا أنه لا تستجاب دعوته.
وأما عن عقابه في الأخرة، فيقف الغاصب لمال اليتيم أو إرث غيره أمام عدالة الله سبحانه من دون حُجّة ولا ناصر، و كلّ ما اجترحه مدوّن في سجلّ أعماله الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، كما قال عزّ وجلّ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (الكهف: 49).