تتفرق المصالح وتتقاطع الألسنة، فيعم التيه، خاصة إذا كان كل فرد في المجتمع يسير في طريقه الشخصي بعيدًا عن الناس، ومصالح الأمة، ويحدث هذا التيه في الأمة حينما تتغلب مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة، ويبرر الفرد تغليب مصلحته الشخصية على مصلحة الناس، ومن هنا تبدأ الفوضى التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على أخوة المؤمنين وترابطهم مثل الجسد الواحد، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
كيف تنسلخ من هويتك؟
وفي هذا الوقت انسلخ أناس كثير عن هويتهم وأهلهم، فلا ترى فيهمك أحدا يشعر بما يتألم منه غيره، وأصبح كل شخص يفكر في مصلحته، ولقد عبر عن هذا السلوك في تبرير المصلحة الشخصية وتقديمها على مصلحة الجماعة، المثل المعروف : " كل يغني على ليلاه"، و يقال هذا المثل حين يشتكي كل شخص همه ، وكأن همه هو أكبر أمر في الدنيا ، وفي مقوله أخرى كل يبكي ليلاه ، وليلى لا يقصد بها امرأة ولكن هي أي شيء يهتم به المرء .
قصة المثل:
أنه عاشت في إحدى القبائل العربية ( بني عامر) فتاة تدعى ليلى العامرية وهي ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة ابن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وكان لها ابن عم يدعى قيس بن الملوح وقد عاشا في عهد الخليفة الأموي الثاني مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان .
وقد كانا يرعيان الأغنام معًا منذ الصغر فهام بها حبًا ، وكان يسير بين الناس يقول فيها شعرًا حتى لقبه الناس ، وفي رواية أخرى أن مجنون ليلى اسمه مهدى ، ولكن في أحد أبيات الشعر التي نسبت لليلى العامرية ذكرت اسم قيس حين قالت :
أَلا ليتَ شِعري وَالخطوب كثيرةٌ مَتى رحلُ قيسٍ مستقلّ فراجعُ
ولأنه من المستبعد أن يكون جميع شعراء بني عامر قد هاموا بليلى العامرية ، ومن المستبعد أيضًا أن تكون كل فتيات بني عامر اسمهم ليلى ، فقد قال العرب إن كلًا يغني على ليلاه ، يعني إن كل واحد فيهم يستخدم اسم ليلى كناية عن شيء أخر موجود في مخيلته .
ويتشابه الذي لا ينظر إلا لمصلحته، ويقدم مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة بسلوك الخوارج، فليس الخوارج هم من يخرجون على جماعة المسلمين بالسلاح والفكر والمعتقد، ولكن الخوارج أيضا هم من يخرجون على مصلحة الأمة تغليبا لمصلحتهم الشخصية، فقد ورد في صفتهم بحسب ما جاء عن علي بن أبي طالب: "إذا حَدَّثْتُكُمْ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَدِيثًا، فَواللَّهِ لَأَنْ أخِرَّ مِنَ السَّماءِ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ أكْذِبَ عليه، وإذا حَدَّثْتُكُمْ فِيما بَيْنِي وبيْنَكُمْ، فإنَّ الحَرْبَ خِدْعَةٌ، وإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: سَيَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمانِ، أحْداثُ الأسْنانِ، سُفَهاءُ الأحْلامِ، يقولونَ مِن خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لا يُجاوِزُ إيمانُهُمْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ، فإنَّ في قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَن قَتَلَهُمْ يَومَ القِيامَةِ.
اقرأ أيضا:
8ثمار رائعة للإيمان بالقضاء والقدر ..مصدر انشراح الصدر والرزق الوفير .. سلم زمام أمرك للهأول صفاتهم كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:
1- صِغارُ السِّنِّ: فهُم في غالبِهم شَبابٌ صِغارٌ، يَقِلُّ بينَهم وُجودُ الشُّيوخِ والكِبارِ من ذَوي الخِبرةِ والتَّجارِبِ، قال عنهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ)، فمن المؤسف أن ترى بعض الشباب الحاضر لا يثعرف إلا مصلحته ولا يعترف بأصحاب الحقوق عليه.
2- الطَّيشُ والسَّفَهُ: فمن صفات الذي لا يعرف إلا مصلحته ويقدمها على غيره وينسلخ من أهله، الطيش والسفه، فيغلِبُ عليهمُ الخِفَّةُ والاستعجالُ والحَماسُ، وقِصَرُ النَّظَرِ والإدراكِ، مع ضِيقِ الأفُقِ وعدَمِ البصيرةِ.
3- الغُرورُ والتَّعالي: فحينما تتحدث مع أحد في مصلحة الأمة وتطالبه أن يغلبها على مصلحته الشخصية، تراه متكبرا متعاليا في الحديث معك، وتجد الإعجابِ بأنفُسِهم وأعمالِهم؛ ولذلك يُكثِرونَ منَ التفاخُرِ بما قدَّموه وما فَعَلوه!!.
قال صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: (إِنَّ فيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدونَ ويَدْأَبونَ، حتى يُعْجَبَ بهمُ النَّاسُ، وتُعْجِبَهُمْ نُفوسُهم، يَمْرُقونَ منَ الدِّينِ مُروقَ السَّهْمِ منَ الرَّمِيَّةِ) رواه أحمدُ بسنَدٍ صحيحٍ.
ويَدفَعُهم الغروب لادِّعاءِ العِلمِ، والتطاوُلِ على الناس سبهم ووصفهم بالجهل، وأهم أجهل في أنفسهم ما يكون.
4- سوءُ الفَهمِ للقرآنِ: فهُم يُكثِرونَ من قِراءةِ القرآنِ والاستدلالِ به، لكنْ دونَ فِقهٍ وعِلمٍ، بل يَضَعونَ آياتِه في غيرِ مَوضعِها؛ ولهذا جاء وَصفُهم في الأحاديثِ: (يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ يَحْسَبونَ أَنَّه لَهُمْ، وهو عَلَيْهِمْ)، (يَتْلونَ كِتابَ اللَّهِ رَطْبًا، لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ)، (يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجاوِزُ تَراقِيَهُمْ).
5- الكلامُ الحسَنُ المُنمَّقُ: فكلامُهم حسَنٌ جميلٌ، لا يُنازِعُ أحَدٌ في حَلاوتِه وبلاغتِه!! فهم أصحابُ مَنطِقٍ وجدَلٍ.
6- الغلظة استباحةُ الدِّماءِ: وهذه هي الصفةُ الفارقةُ لهم عن غيرِهم؛ من حيث الغلظة التي في قلوبهم واستباحة الدماء، فلا يرق قلبهم لفقير أو مريض.