يقول الله عز وجل: «ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء» .. وقال تعالى: «ولو أنما كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم» فقرن جل ذكره للجلاء عن الوطن بالقتل.
وقال تقدست أسماؤه: «وما لنا ألّا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا» ، فجعل القتال بازاء الجلاء، وقال صلى الله عليه وسلم: «الخروج عن الوطن عقوبة».
آداب وفوائد:
-قال عمر بن الخطاب: لولا حب الوطن لخرب بلد السوء.
- وكان يقال: بحب الأوطان عمرت البلدان.
- وقال الطبيب جالينوس: يتروح العليل بنسيم أرضه كما تتروح الأرض الجدبة ببلّ المطر.
- وقال أبقراط: يداوي كل عليل بعقاقير أرضه كأن الطبيعة تنزع إلى غذائها، ومما يؤكد ذلك قول إعرابي وقد مرض بالحضر فقيل له: ما تشتهي؟ فقال: لبن مخيض وضباً مشوياً.
- وقد قيل: أحق البلدان بنزاعك إليها بلد أمصك حلب رضاعه.
- وقيل: احفظ أرضاً أرسخك رضاعها، وأصلحك غذاؤها، وارع حمى اكتنفك فناؤه.
- ومن علامة الرشد تكون النفس إلى أوطانها مشتاقة وإلى مولدها تواقة.
- وحدثنا بعض بني هاشم قال: قلت لإعرابي: من أين أقبلت؟ قال: من هذه البادية، قلت: وأين تسكن منها؟ قلت: ما طعامكم؟ قال: بخ بخ الهبيد والضباب واليرابيع – جمع يربوع- مع القنافذ والحيات.. وريثما الله أكلنا القد واشتوينا الجلد فلا نعلم أحداً أخصب منا عيشاً، فالحمد لله على ما رزق من السعة وبسط من حسن الدعة.
- وشبهت الحكماء الغريب باليتيم اللطيم الذي ثكل أبويه فلا أم ترأمه ولا أب يحدب عليه.
- وكان يقال: الغريب عن وطنه ومحل رضاعه الذي زايل أرضه وفقد شربه فهو ذاو لا يثمر وذابل لا ينضر.
- وكان يقال: البعيد عن مسقط رأسه كالعير الناشر عن موضعه الذي هو لكل رام رمية.
- وقيل لإعرابي: كيف تصنع بالبادية إذا انتصف النهار وانتعل كل شيء ظله؟ فقال: وهل العيش إلا ذاك؟ يمشي أحدنا ميلاً فيتصبب عرقاً كأنه الجمان ثم ينصب عصاه ويلقي عليها كساه وتقبل الرياح من كل جانب فكأنه في إيوان كسرى.
- وقال بعض الحكماء: عسرك في بلدك خير من يسرك في غربتك.
- وقيل لإعرابي: ما الغبطة؟ قال: الكفاية ولزوم الأوطان والجلوس مع الإخوان، وقيل: فما الذل؟ قال: التنقل في البلدان والتنحي عن الأوطان.
- وقال بعض الأدباء: الغربة ذلة والذلة قلة، وقال الآخر: لا تنهض عن وطنك ووكرك فتنقصك الغربة وتصمتك الوحدة.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟