يبين د. عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أنه قد كانت الأندلس أسوأ حالاً من المغرب، فخلال السنوات الأولى من القرن الخامس الهجري "الحادي عشر الميلادي" كانت التطورات تحمل في أحشائها وباءً خطيراً إلى الأندلس الإسلامية؛ فلقد سقطت الدولة العامرية آخر حماية للدولة الأموية في الأندلس، ولقد ظهر أن أحفاد عبد الرحمن الداخل الأمويين أقل من أن يقوموا بعبء حماية الإسلام الأندلسي، وكان البربر قد هاجر كثير منهم إلى الأندلس بحثاً عن سلطة أو زعامة، وكان الصقالبة وهم مجموعة من النازحين إلى الأندلس من طوائف مسيحية مختلفة، كان هؤلاء الصقالبة يشكلون بدورهم عنصراً من عناصر الوجود في الحياة الأسبانية الإسلامية .
ويذكر "عويس" أن من هذه القوميات المتناطحة تشكل الوجود الأندلسي غرة القرن الخامس الهجري ... فلما سقطت خلافة الأمويين الإسلامية في الأندلس؛ نتيجة امتصاص طاقتها في مشاحنات داخلية، تحركت كل هذه الطوائف المقيمة فوق أرض الأندلس الإسلامية تبحث عن السلطة والامتلاك.
وبدلاً من أن تتحد قواهم في وجه المسيحيين المجاورين لهم، وبدلاً من أن يرفعوا راية الإسلام والجهاد ... كأمل ينقذ أندلسهم من التحدي الصليبي المتربص بهم ... بدلاً من هذا .. أشعلوا أحقاد القومية الطائفية، والنعرات الجنسية !!
ويوضح د. عويس أنه قد ظهر في الأندلس أكثر من عشرين دولة يتقاسمها الأندلسيون، والبربر، والعرب، والصقالبة، ففي كل مدينة دولة؛ بل ربما اقتسم المدينة أكثر من طامع ومنافس، واستمر أمر هذه الدول، أو هذه المدن المتنافسة؛ التي عرف حكامها بملوك الطوائفـ استمر أمرها أكثر من خمسين سنة.. امتهن فيها الإسلام والمسلمون، وتوسل كل ملك منهم بالنصارى ضد إخوانه المسلمين .
فشل ملوك الطوائف:
ويستطرد: لقد فشل ملوك الطوائف في أن يلموا شعثهم، وأن يتكتلوا ضد النصارى ... ومن عجيب المقادير أن "الفونسو السادس" ملك قشتالة، وليون، واستوريا؛ كان يتظاهر بحماية هؤلاء الملوك المسلمين، ويأخذ منهم الجزية والأتاوات؛ التي يرفع من قيمتها سنة بعد أخرى، واستطاع أن يعد عدته من الأتاوات؛ التي يفرضها عليهم، ليلتهمهم بها كلهم ... وكان آخر ما التهمه الفونسو من أرض المسلمين تحت سمع وبصر هؤلاء الإسلاميين؛ بل ومساعدة بعضهم ... مدينة طليطلة سنة (478هـ ـ 1085م).
وعند هذه الموقعة تأكد لدى أكبر ملك من ملوك الطوائف "المعتمد بن عباد" أن الفونسو يريد الالتهام، ولا أقل من الالتهام الكامل للأندلس، وفكر المعتمد في وسيلة الإنقاذ، ووضعته الأقدار أمام حل واحد لم يكن له خيار فيه.
لقد قرر أن يستنجد بالمرابطين المسلمين الموجودين في المغرب الأقصى كقوة إسلامية ناشئة، ولعل هذه كانت الحسنة البارزة لملوك الطوائف.